{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

+ -

 لفظة الغلول هنا بمعنى الخيانة في خفاء، قيل: هي مأخوذة من الغَلَل وهو الماء الجاري في أصول الشّجر والدوح، فسمّيت الخيانة غلولًا؛ لأنّها تجري في الملك على خفاء من غير الوجه الّذي يحل. والعرب تقول: أغلّ الرّجل يغلّ إغلالًا: إذا خان، ولم يؤدّ الأمانة، فالغلول هو: الكتمان من الغنيمة، والخيانة في كلّ مال يتولّاه الإنسان وهو محرّم إجماعًا، بل هو من الكبائر، كما تدلّ عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النّصوص.وهذه القاعدة الإيمانية فيها تهديد للّذين يغلّون ويخونون الأمانة ولا يقدّرون المسؤولية قدرها، ويخفون شيئًا من المال العام أو من الغنائم، ذلك التّهديد المخيف، قال الله عزّ وجلّ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ * ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}. فالّذي غلّ في حاجة وخان فيها يأتي بها يوم القيامة كما صوّرها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: “والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حلّه إلّا لقيَ الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رُغاء أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيعَر، ثمّ رفع يديه حتّى رُئيَ بياض إبطيه يقول: اللّهمّ قد بلّغت”.علّق الشّيخ الشّعراوي: [إنّ مَن يأخذ حرامًا في خفية يأتي يوم القيامة وهو يحمل البعير أو البقرة أو الشّاة مثلًا. وآه لو كان ما أخذه حمارًا فله نهيق!!]. وهذا قول أكثر العلماء: أنّ ذلك على الحقيقة كما بيّنه صلّى الله عليه وسلّم، أي: يأتي به حاملاً له على ظهره ورقبته، معذَّبًا بحمله وثِقَلِهِ، ومروَّعًا بصوته، وموبَّخًا بإظهار خيانته. ومن العلماء مَن قال المعنى: أنّه يأتي حاملاً إثم ما غلّ، ومنهم من قال: أنّه يردُّ عوض ما غلّ من حسناته. والأوّل أصحّ لموافقته ظاهر الحديث، وعلى أيّ معنى حملنا المعنى فالأمر جلل والفضيحة عظيمة والمصيبة كبيرة.هذا وإنّه إذا كان حكم هذه القاعدة عامًا في النّاس أجمعين، فأولى النّاس بالخوف من أن ينطبق حكمها عليهم هم أصحاب المسؤوليات والمناصب والوظائف؛ لافتنانهم وكثرة الفرص الّتي تعرض لغلولهم، وكثرة المبرّرات الّتي يطرحها عليهم الشّيطان؛ ولهذا حرّم عليهم قبول الهدايا واعتبرت من الغلول، فقال عليه الصّلاة والسّلام: “هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ”.

 إمام وأستاذ الشريعة  بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: