+ -

 تبعًا لما استنتجناه أمس نكون أمام نهاية مرحلة من المقاومة الجزائرية، عامل “القبيلة” هو المنتصر أمام عامل “الدّين” والولاء الصّوفي للطّريقة “القادرية” الّتي كانت عائلة الأمير هي الّتي تتولّى قيادتها الرّوحية.الرّؤية القومية والوطنية لم تكن في هذه الفترة متبلورة، وغياب هذه الرّؤية المتطوّرة حالت دون تكوُّن محارب وطني يتجاوز حدود القبيلة والغنيمة، رغم أنّ الأمير حاول ذلك لكن إمكاناته الذّاتية وطبيعة تركيبة جيشه لم يسمحَا بذلك.والعامل الثاني معايشته فيما بعد -أثناء إقامته بفرنسا- للتطوّر الحضاري الأوروبي، والنّصان: “المقراض” و«ذكرى العاقل” يسجّل فيهما مقارنة بين تخلّف المسلمين وتقدّم الفرنسيين، فعن اعتناء علماء فرنسا بالعلم التجريبي يقول: [وقد اعتنى علماء فرنسا، ومن حذا حذوهم باستعمال “العقل العملي” وتصريفه فاستخرجوا الصّنائع العجيبة والفوائد الغريبة، فاقوا بها المتقدّمين وأعجزوا المتأخّرين، ترقوا بها أعلى المراتب المراقي وحصل لهم بها الذّكر الباقي]. من كتاب ذكرى العاقل.وفي مذكّراته يسجّل إعجابه “بالنّظام الجمهوري”: [فاستوى بسياسة نظرهم الرّئيس والمرؤوس والشّريف والمشروف والرّفيع والوضيع ليجري كلّ واحد على قانون الآخر ولا يختص بأحكام مفضول على فاضل].يستمر في تسجيل إعجابه وعقد المقارنة بين العرب والفرنسيين مذكّرًا دائمًا أنّ الإسلام يدعو إلى التقدّم والاعتبار وأخذ الحكمة مهما كان مصدرها، ويرى سبب تقدّم الفرنسيين في ميدان “العلم التجريبي” ونظام الحكم السياسي القائم على العدل كونهم استفادوا من الحضارات السّابقة بما فيها الحضارة العربية الإسلامية.العامل الثاني: طبيعة تكوينه الصّوفي والفكري، فالتصوّف أساسًا يقوم على المحبّة كرابط بين الخالق والمخلوق ولا يرى الاختلاف الدّيني مدعاة إلى القتال بل “الحقيقة التّوحيدية” كلّ يصل إليها بطريقته، وكان يدعو إلى التّسامح الدّيني والحوار بدل الرّفض، فهو شاذلي قادري سنّي.وفي “مذكّراته” يعقد فصولًا يتناول فيها فضائل “النّصارى” في القرآن الكريم، ويبرهن على أنّ القرآن والإنجيل يحبّبان بين المسلمين والمسيحيين، ويتعمّق هذا الفهم أكثر حين يرى كشيخه “محي الدّين بن عربي” في كتابه “المواقف” أنّ الأخوة بين المُختلفين دينًا ينبغي أن تتحقّق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات