المعرفة الصوفية وحماية البلاد

 إنّ الزّاوية ليست بالضرورة أن تكون فضاء للتصوف، فبعضها مدارس للعِلم والمعرفة والتّكوين، وهناك زوايا تأسّست كطريقة وتصوف، فالتّصوف قد يكون مجاهدة فردية ينتظم صاحبها ضمن وِرد وعهد نسمّيه الطريقة أو الوسيلة بعبارة بعض المتصوفة المؤرّخين لهذا النّوع من الطرق.إذًا، التّصوف يبقى تجربة فردية في الأساس قد يتحوّل إلى طابع جماعي وقد يبقى فرديًا، لكنّه في الأزمنة المتأخّرة أصبح مرتبطًا بالطريقة وهي عملية تمذهبية تعرفه كلّ حركة فكرية وفقهية الّتي تنشأ اجتهادًا فرديًا في الأوّل ثمّ تتحوّل إلى تقليد وإلزام جماعي، وقد تناسب ذلك مع الطابع الاجتماعي-القبلي العربي، كما أنّ فعل الصّراع مع الآخر منذ سقوط الأندلس شكّل عامل “الطريقة الرباطية”، وهنا يكون التّصوف مجاهدة وجهادًا، وهو التراث الّذي أحياه الأمير عبد القادر والحداد وبوعمامة وأعادوا تشكيله ضمن سياق دولة تجد في الموروث التاريخي شرعيتها. كما أنّ التّصوف في عهده الرباطي والطرقي لم يعد على الحالة الّتي كان عليها بل امتزج بالعقلية الشّعبية ورسّخت فكرة الفناء والاستشهاد واستخدام اللون الأخضر والتراتب والكرامة والعلاقة، وهنا ستكون العلاقة مع الذّاكرة عبر الوسائط كالأرشيف والشفهي المسموع والرموز والقصص.. ويمكننا هنا أن نستشهد بنص لأحمد زرّوق (ت:899هـ) يقسّم الخطاب الصوفي إلى أربعة أنواع:أ- خطاب الوعظ والتّذكير، وهو موجّه للعامّة والخاصّة، ومن ضمن النّصوص الّتي ينصح بها المريد والقارئ المبتدئ: كتب ابن الجوزي، وبعض تعاليق المحاسبي، وصدور كتب من الإحياء وقوت القلوب، وتحبير القشيري.ب- خطاب للسّالكين، وهو يتوجّه نحو التّزكية الباطنية، ومنه نصوص الغزالي والسهروردي.ج- خطاب العارفين والّذين أشرفوا على الوصول لدرجة العارفين، وهنا يحذّر من المهالك والمهاوي، ويرى العودة إلى القُشيري لفهم هذه المهاوي، ومن بين كتب العارفين ابن عربي في المعاملات والبوني في المنازلات.د- خطاب العلوم الإلهية، منها الكثير من الشّرح مادّته التّنوير ولطائف المنن.غير أنّنا يمكن أن نضيف نوعًا خامسًا وهو ما نحن معنيون به هنا في هذه الدراسة: “خطاب التّصوف الطرقي” الّذي أسّست له تعاليم الشّاذلية، وكذلك الحِكَم العطائية، وما تبع ذلك من شروح ونصوص، وقد ترك بعض مشايخ الطرق كنانيش وأوراد صار يحفظها الأتباع وتعدّد شرحها.