ما هو الدّليل على “حُقوق الإنسان” في الإسلام؟ نسعى في هذا الركن إلى تناول مسائل تراثية في ضوء تقدّم عصرنا، مع التّركيز على التُّراث الجزائري بطريقة السّؤال والجواب في محراب إعمال البصيرة، ونبدأ هذه الحلقات برأي فقيهنا “ابن رشد” الّذي لم تعجبه مناهج التّفكير في زمنه ورآها تؤدّي إلى الفتنة، فقرأ القرآن الكريم بالقرآن وربطه بأسباب النزول ومقصد خدمة الإنسان والبشرية “الآدمية”، ونبدأ بالإجابة عن السّؤال المطروح أعلاه: يُفرّق أبو الوليد ابن رشد (ت:495هـ) منهجياً ومعرفياً بين العلماء الخاصّة والجمهور، وعلى هذا الأساس يتمّ تقسيم الخطاب القرآني بين ما يجوز تأويله وما لا يجوز، فالقرآن الكريم يبقَى سرًّا في تأويل بعضه إلاّ لأهل الخاصّة حتّى لا تقع الفتنة، فتنة الفهم وفتنة التّكفير.«الفتنة” تكون أوّلاً في طرق التفسير والشّرح والتعليم، وفي استخدام أدلة غير سليمة يقول: [هذا كلّه من التشغيب والشّكوك العويصة التي لا يتخلص منها العلماء المَهَرة، فضلا عن العامّة، ولو ُكلّف الجمهور العلم من هذه الطرق لكان من باب التّكليف مالا يطاق] من كتابه: مناهج الأدلة في عقائد الملّة.وحين يدلّل على وجود الله لا يذهب إلى النّص أو إلى التخريجات العقيمة، وإنّما يتوجّه نحو “الإنسان” ويرى أنّها هي الطريقة الشّرعية الّتي اعتمدها القرآن والصّحابة، وينتقد الطرق والأدلة السّابقة الّتي دائماً يصفها بالعُقم وأنّها سبب الخلاف والفتنة، وقد وجدها -أي الأدلة الّتي يرتضيها- تنحصر في طريقتين: طريقة الوقوف على “العناية بالإنسان” وخلق جميع الموجودات من أجله، ويسمّيه “دليل العناية”. وطريقة ما يظهر من اختراع الأشياء والموجودات، مثل: اختراع الحياة في الجماد والحواس الجسمية والعقل، ويسمّيه “دليل الاختراع”.الكون موافق لحياة الإنسان والغاية من خلْقه خدمة الإنسان، “فالمنفعة” غاية و«جمال” من خلال مصطلح “الاتفاق”، والسّعادة يدركها المسلم باستيعابه لهذا المعنى واستغلاله للمنفعة والجمال، وبهذا يكون التّوازن في الطبيعة والمجتمع، وبدلاً من أن يتيه النّاظر في أدلّة سَفسَطة ليدلّل بها على وجود الله فهو يعيش هذا الوجود من خلال علاقته المباشرة به، أي [التّمتّع بنِعَم الله].
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات