عجيب أمر الإنسان! حياته كلّها هبة من عند خالقه، هذا الخالق الرّحيم الّذي طوّقه بنعمه من قبل الميلاد، ولم يكلّفه إلاّ بتكاليف معدودة محدودة، ومع ذلك نجد كثيرين يتأفّفون من التّكاليف! ونجد أكثر من يتعدّى حدودها! مدّعيا أنّه كأنّه في سجن من التّكاليف! وما هذا إلاّ وهم حالم، وادعاء بارد، وكذبة إبليسية.فقاعدة التّكليف بيّنها القرآن الكريم صراحة: {لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلّا وُسْعَهَا} أي: بمقدار ما تسعه طاقتها، ولا يعسر على قدرتها، {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلّا مَا آتَاهَا} أي: في حدود طاقتها، وعلى قدر إمكانها، وعلى حسب مواهبها. {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضّرورة!فأحكام الشّريعة عامة للنّاس كلّهم، عامّتهم وخاصّتهم على السّواء، وإذا كان النّاس على درجات متفاوتة، في القوّة والضّعف، وفى الصحّة والمرض، فإنّ ممّا قضت به الحكمة: أن جاءت شريعة الإسلام على مستوى الوسط للقدرة الإنسانية، بمعنى أنّ من فوق هذا المستوى تتّسع قدراتهم لأكثر من تكاليف الشّريعة، على حين أن من دون هذا المستوى لا تضيق نفوسهم به، وإن وجدوا فيه شيئًا من العناء والجهد.فالله الّذي خلقنا هو الّذي يُكلّف ويعلم أنّنا نسَعُ التّكليف، وهو سبحانه لا يكلّف إلاّ بما في وسعنا؛ بدليل أنّ المشرّع سبحانه يعطي الرّخصة عندما يكون التّكليف ليس في الوسع.يقول الشيخ الشّعراوي رحمه الله: “لأنّ الأحداث بالنّسبة لعزم النّفس البشرية ثلاثة أقسام: القسم الأوّل، هو ما لا قدرة لنا عليه، وهذا بعيد عن التّكليف. القسم الثاني، لنا قدرة عليه لكن بمشقّة، أي يجهد طاقتنا قليلًا. والقسم الثالث، التّكليف بالوُسع”.إذًا {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلّا وُسْعَهَا} أي أنّ الحقّ لا يكلّف النّفس إلاّ بتكليف تكون فيه طاقتها أوسع من التّكليف، والدّليل على ذلك وجود متطوّعين كُثُر يزيدون على ما كلّفوا به من عند أنفسهم، إذًا فهذا في الوُسع، ومن الممكن أن تزيد، وعليه فالأشياء ثلاثة: شيء لا يدخل في القدرة فلا تكليف به، شيء يدخل في القدرة بشيء من التّعب، وشيء في الوُسع، والحقّ حين كلّف، كلّف ما في الوُسع. رحمةً وحكمةً.
إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات