يلحظ المتتبع لمسار حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، في الفترة الأخيرة، تقاطعا غريبا في السلوك السياسي للحزبين، حتى وإن بديا في الظاهر خصمين متصارعين، أما نقطة التماس التي تجمعهما فتقع على مدار واحد من مركز السلطة، وكأن الحزبين سارا في اتجاهين معاكسين، وحدث التلاقي في حالة حمس بالابتعاد وفي حالة الأفافاس بالاقتراب!.تبحث حركة مجتمع السلم في مشاوراتها الجديدة عن “التوافق”، وتسعى جبهة القوى الاشتراكية عبر ندوتها المنتظرة إلى “الإجماع”، وكلاهما يرفض إقصاء “السلطة” ويريد إقناعها بالحوار والتفاوض. الاختلاف بين الحزبين لا يعدو كونه في تفاصيل بسيطة لكنها تبدو مضخمة.. ضخامة “الأنا السياسية” التي تميز كلا من الحزبين الكبيرين في المعارضة، فهل نحن أمام صراع زعامة أو تنافس بين كفتين متعادلين؟ الأفافاس الذي عرف بمواقفه الراديكالية منذ تأسيسه سنة 1963 حيال كل ما يتعلق بنظام الحكم في الجزائر، غيّر دفة توجهه وسار نحو الاقتراب من السلطة. وكانت نقطة الانطلاق كما في حالة حمس أحداث الربيع العربي، فشارك حزب الدا حسين في تشريعيات 2012 ثم أعلن عن مبادرة تلقفتها أحزاب السلطة بكثير من الحماس، ولم يتخلف عن المشاركة في مشاورات تعديل الدستور، وصارت أحزاب السلطة تغدق على الأفافاس بأوصاف الحزب الوطني والمعارض المسؤول، فوجد الأفافاس نفسه، بعلم منه أو دون ذلك، قريبا من السلطة حتى وإن احتفظ بمكانه في المعارضة.وبالمثل وجدت حمس منذ سنة 1994 نفسها شريكا للسلطة فعاشت في كنفها ورعايتها مددا طويلة، تبوأت فيها مقاعد وزارية وحاز إطاراتها مناصب سامية في الدولة، لكن دفة الحركة اتجهت في خضم الأحداث الدولية التي عصفت بالمنطقة إلى المعارضة دون سابق إنذار سنة 2012، فكان “فطام” السلطة على حمس قاسيا، حتى بصعود رئيسها الحالي عبد الرزاق مقري الذي بعد أن تبنى خطابا راديكاليا من السلطة عاد إلى اختيار موقع آخر أكثر توازنا ومهادنة بما يجنب بيته هزات محتملة.هذا التوازن تجلى مؤخرا في قرار مقري، خلال مجلس شورى حمس، الذي أعلن فيه عن بدء مشاورات جديدة خاصة بحزبه، تتجه نحو السلطة والمعارضة لإقناعها بالانتقال الديمقراطي، وهو إعلان طرح عدة أسئلة على أكثر من صعيد، ليس فقط لكونه جاء منفردا في وقت الوحدة والعمل الجماعي الذي كرسته ندوة مزافران، وإنما لما تضمنه من تبريرات.فمع أي معارضة ستتشاور حمس وهي التي تجتمع دوريا في إطار هيئة التشاور والمتابعة التي تضم أغلب التوجهات الموجودة على الساحة؟ ومع أي سلطة سيتشاور مقري أيضا؟ هل مع الأفالان والأرندي اللذين يعتبرهما جهازين تابعين للسلطة لا حول ولا قرار لهما؟ أم مع مؤسسة الرئاسة التي لا يعترف بشرعيتها؟ أم سيتجه نحو المؤسسة العسكرية التي ترفض أرضية مزافران التي صادق عليها إقحامها في السياسة؟قد لا يختلف اثنان في الجزائر أن دفع السلطة إلى انتقال متفاوض عليه يتم عبر تغيير موازين القوى في الساحة السياسية والاتجاه نحو العمل الميداني والحشد الشعبي للمشروع، وفي هذه الحالة ستجد السلطة نفسها مجبرة على الاعتراف بالمعارضة والاستماع لها. أما دعوتها إلى مشاورات جديدة في ظل الواقع الحالي الذي يكشف عن ضعف واضح لما يسمى بالمعارضة الموحدة في التجنيد لمشروعها، لن يمد السلطة إلا مساحات جديدة للمناورة وتضييع الوقت.. وبذلك تكون حمس قد سقطت في نفس “المنكر” الذي نهت عنه الأفافاس ! ولن يبق في الخلاف إلا تنافس وهمي ما دامت مقاليد الأمور ستظل بيد “الصحاح”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات