+ -

 عرفت منطقة المغرب الأوسط ازدهارًا حضاريًا متميّزًا، إذ أقبل الأمازيغ على التعلّم منذ تأسيس المدن العلمية الأولى من قبل الفاتحين المسلمين، وكانت الدولة الرستمية (160-296هـ)، متميّزة بمكتباتها وتشجيعها للعلم ولإقامة أسواق الورّاقين.تذكر المصادر الإباضية أنّ أوّل مَن علّم القرآن الكريم بجبل نفوسة رجل يُدعى عمر بن يمكتن (ت:144هـ)، وكانت المساجد في تيهرت الإباضية عديدة ومتنوّعة بتنوّع المذاهب والفرق الإسلامية، كما كانت هناك مدارس في وارجلان وجبل دمر وغدامس وجربة. وكان الحكام الإباضيون جمّاعين للكتب، فتذكُر المصادر أنّ الإمام عبد الوهاب بعث بألف دينار إلى إخوانه بالبصرة ليشتروا بها كتبًا فاقتضى الحال أن اشتروا به ورقًا وتطوّعوا في نسخ الكتب والمجلدات الموجودة عندهم، فنسخوا له أربعين حملاً من الكتب وبعثوها له فتكوّنَت خزانة ضخمة في دولة الإباضيين وقد عرفت هذه المكتبة باسم “مكتبة المعصومة”. كما عرفت بجاية في العهد الموحدي ازدهارًا حضاريًا واشتهرت فيها سوق الورّاقة بجانب مسجدها الّذي درس فيه أبو مدين الغوث، وعرف هذا المسجد بمكتبته الضخمة، وكانت ملتقى للعلماء الّذين يهاجرون من المَغرب نحو المشرق أو العكس، وستعرف مدينة تلمسان أوجّ نهوضها أيضًا زمن الزيانيين، حيث لعب بعض أمرائها دورًا بارزًا في تشجيع العلماء والاعتناء بنسخ الكتب، وقد تميّزت تلمسان بتزاوج إبداعي جمالي بين النّسخ والكتابة والعمارة. أمّا في العهد العثماني فكانت الجزائر في طليعة البلدان كثيرة الكتب والمكتبات، وقد توارثت هذه المكتبات كتب العهد السّابق، فقد تحدّثَ البعض عن مكتبة ومتحف في زاوية إبراهيم التازي تلميذ سيّدي الهواري. ومن المكتبات الغنيّة الّتي يتحدّث عنها الرّحالة مكتبة محمّد بن إسماعيل في أعماق الصّحراء الّتي كان بها ألف وخمسمائة كتاب. وكان النّسخ والاستنساخ عاملا مهما في الثّروة المكتبية، وكان هناك مختصون في الاستنساخ تميّزوا بجودة الخطّ وحسن اختيار الورق وإتقان صناعة الورّاقة والسّرعة والمهارة في التّوثيق والدقّة في العمل وصحّة النّظر. واشتهرت قسنطينة ببعض الخطّاطين كأبي عبد اللّه بن العطّار مثله ابن مقلة، واشتهر كذلك الشّيخ إبراهيم الحركاتين ومحمّد الزجاي، وكان النّسخ بالخط الأندلسي، كما استقدم العثمانيون معهم الخطّ العثماني.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات