أظهرت مشاورات الدستور التي تجريها رئاسة الجمهورية تغيرا جذريا في تعاطي أحزاب السلطة مع مسألة ترسيم الأمازيغية في الدستور، فانقلبت هذه الأحزاب التي كانت من أشد المعارضين، بالأمس، لهذا المطلب بدواع إيديولوجية وأحيانا موضوعية، إلى مبادرين اليوم بمقترحات تدعو إلى ترسيمها، في تطور لافت يثير تساؤلات كثيرة حول خلفيته ودوافعه. دخلت أحزاب جبهة التحرير الوطني وتجمع أمل الجزائر والتجمع الوطني الديمقراطي، على خط المنافسة مع الأحزاب التي ترفع تقليديا لواء الدفاع عن مسائل الهوية، مثل جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال، في المطالبة بترسيم ”تمازيغت” لغة رسمية وترقيتها في الدستور القادم، كما أظهرت ذلك المقترحات المقدمة إلى مدير لجنة المشاورات. وجاءت المفاجأة من عمار سعداني الأمين العام للأفالان، الذي طالب بترسيم الأمازيغية في تصريح له عقب لقاء أحمد أويحيى، ومن عمار غول رئيس حزب ”تاج” الذي دعا هو الآخر إلى ترسيم الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية تعمل الدولة على ترقيتها، بينما جاءت مطالبة لويزة حنون بترسيم الأمازيغية منسجمة مع مواقفها السابقة في هذه القضية. ولم يصل الأرندي إلى حد المطالبة بالترسيم، واكتفى باقتراح تعديل المادة الثالثة، بالنص على ”ضرورة سن قانون لضبط كيفيات إدماج اللغة الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة”، كما دعا الأرندي إلى ”ضم الأحكام المتعلقة بالعهدة الرئاسية واللغة الأمازيغية إلى الأحكام ما فوق الدستورية المنصوص عليها في المادة 178 من الدستور”، ما يعني عمليا عدم إمكانية تعديلها مستقبلا. وينص الدستور الحالي في ديباجته على أن ”الأمازيغية مكون أساسي لهوية الجزائر إلى جانب الإسلام والعروبة”. كما ينص في المادة الثالثة مكرر على أن ”تمازيغت هي كذلك لغة وطنية، تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني”، وأضيفت هذه المادة في تعديل أجراه الرئيس في 2002، إلى المادة الثالثة التي تنص على اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية.وغالبا ما كانت تعارض هذه الأحزاب المحسوبة على منظومة الحكم، أيَّ ترسيم للغة الأمازيغية بالنظر إلى استحالة تطبيق ذلك واقعا، لأن الدسترة تقتضي اعتماد تمازيغت في الإدارة بالإضافة إلى إجبارية تدريسها، وكل ذلك يتطلب انتشارا واسعا للغة في كل ربوع الوطن، لم يتحقق إلى الآن. لكن هذه الحجج التي كانت تعتبرها أحزاب السلطة موضوعية، تلاشت فجأة رغم أنها ما زالت قائمة، كما أن ”المناكفات” الإيديولوجية بين التيار العروبي المتأصل في جبهة التحرير الوطني وبين باقي الأحزاب الأمازيغية، قد زالت هي الأخرى.هذا التحول في المواقف والقناعات، فُسر من قبل البعض أنه محاولة من السلطة لسحب هذا المطلب من أحزاب المعارضة، واعتبره عمار غول: ”نزع ورقة كانت تستعمل لضرب الوحدة الوطنية”.. وحدة يراها أيضا قيس شريف المختص في القانوني الدستوري وأحد أبناء منطقة القبائل الذي استضافه أويحيى في إطار المشاورات، مهددة بفعل تنامي دعوات الانفصاليين في منطقة القبائل بقيادة فرحات مهني، وما يجري في غرداية.لكن هذا الدعوات المتزامنة من قبل أحزاب معروفة بولائها المطلق للنظام، لا تخلو من توظيف سياسي أملته ”حسابات ضيقة”، وفق قراءة المحلل السياسي والمختص في القضية الأمازيغية أرزقي فراد الذي يرى في المسألة ”اتفاقا سريا بين السلطة وحزب جبهة القوى الاشتراكية”، يقضي بتحول مواقف الثانية في مقابل تنازل الأولى عن ترسيم الأمازيغية.وقال فراد في تصريح لـ”الخبر” إن ”سكوت الأفافاس عن انتقاد السلطة بعد الرئاسيات وحالة اللاموقف التي اتخذها من هذا الاستحقاق، بالإضافة إلى قبوله المشاركة في مشاورات الدستور، هي كلها مؤشرات تبين تحولا بـ180 درجة في موقف هذا الحزب الذي كان معروفا براديكاليته، وتظهر بالمقابل أن ثمة اتفاقا بين السلطة والأفافاس”. وأوضح فراد أن ”ما يسمى بأحزاب السلطة هي ليست أحزابا بل مجرد أجهزة في يد السلطة تحركها كما تشاء”، مشيرا إلى أن ”هؤلاء الذين ظهروا بغتة يطالبون بترسيم الأمازيغية لا يؤمنون بها أصلا”. والدليل حسب فراد أن ”هؤلاء كانوا زملاء لي في البرلمان، وكانوا يرفضون مجرد الحديث عن ترقية الأمازيغية في لجنة التربية، فكيف بهم يطالبون اليوم بترسيمها !؟”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات