“مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا”

+ -

 تضمّنَت هذه القاعدة العظيمة من قواعد الإيمان ومقرّرات القرآن الآيات التّالية: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} الجاثية:15، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فُصِّلَت:46، {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} الأنعام:104. وفي معناها: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} الرُّوم:44، {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا} فاطر:39، {مَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} في مواضع، {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} الإسراء:7.المعنى العام لهذه القاعدة: أنّ مَن أحسن -بأن آمن وأطاع- فإنّه إنّما يحسن إلى نفسه، لأنّ نفع ذلك لنفسه خاصة. وأنّ مَن أساء -بأن كفر أو عصى- فإنّه إنّما يسيء على نفسه؛ لأنّ ضرر ذلك عائد إلى نفسه خاصة.نعم إنّ مَن اهتدى فعمل بما يرضي الله جلّ وعلا، فإنّ اهتداءه ذلك إنّما هو لنفسه؛ لأنّه هو الّذي ترجع إليه فائدة ذلك الاهتداء، وثمرته في الدّنيا والآخرة. وإنّ مَن ضلّ عن طريق الصّواب فعمل بما يسخط ربّه جلّ وعلا، فإنّ ضلاله ذلك وعصيانه إنمّا هو على نفسه؛ لأنّه هو الّذي يجني ثمرة عواقبه السيّئة الوخيمة، فيعذّب به في النّار.هذه حقيقة واضحة يغفل عنها كثير من النّاس فيضلون، وينساها كثير منهم فيستكبرون، وتغيب عن بال كثير منهم فيجهلون؛ ولذلك تكرّر التّذكير بها في القرآن الكريم حتّى لا نضلّ ولا نستكبر ولا نجهل، وفي الحديث القدسي مزيد بيان لهذا المعنى: “يَا عبادي، إِنَّكُم لن تَبلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، ولن تَبلُغُوا نَفعِي فتَنْفَعُونِي. يَا عبادي، لو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَتقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُم؛ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلكِي شَيئًا. يَا عبادي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلكِي شَيئًا” رواه مسلم. حقّا من استجاب لأمر الله، وعمل صالحا، فله جزاء عمله، ومن أعرض عن الله سبحانه وتعالى، وركب طرق الباطل والضلال، فسيلقى جزاء كفره وضلاله. فهناك يوم يرجع فيه الناس جميعا إلى الله، ويحاسبون على كل ما عملوا، ويجزون عن الإحسان إحسانا ورضوانًا، وعن السوء عذابًا ونكالاً “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ” فالأمر لله في النهاية، وإليه المرجع والمآب. وقد جمع شتات معاني هذه القاعدة الإمام الثّعالبيّ الجزائريّ حيث قال تعليقا على هذه الآية: في هذا المعنى نصيحةٌ بليغةٌ لِلْعَالَمِ، وتحذيرٌ وترجيَةٌ.* إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: