كادت الجزائر أثناء فترة غياب الرئيس بوتفليقة في باريس تنفجر جدلا، حول تطبيق المادة 88 من الدستور، بين معارضة كانت ترى في الرئيس عاجزا عن أداء مهامه الدستورية وتدعو إلى إقصائه، وبين موالاة كانت تستميت إلى الرمق الأخير في إثبات عدم حجية هذه المادة ونفي مسوغات تطبيقها.وعقدة هذا الجدل، أن المادة المذكورة فضفاضة، حمالة أوجه بل ومستحيلة التطبيق في ظل فلسفة النظام الجزائري الحالية التي تعطي للرئيس نفسه من صلاحيات التعيين ما يجعله محصنا من أي مفاجأة قد تأتيه من مؤسسة دستورية أخرى، في حال ارتأت محاسبته أو عزله بسبب مرض يكون معه عاجزا عن تأدية مهامه.الطريف في الأمر، أن مشاورات الدستور التي تجريها رئاسة الجمهورية، ضمت 22 “شريكا” إلى اليوم بين أحزاب سياسية وشخصيات وكفاءات وطنية، لم يتجرأ طرف فيها على ذكر المادة 88، سواء باقتراح تعديلها أو إلغائها واستبدالها بمادة أخرى أكثر وضوحا في مسألة من يُخطر المجلس الدستوري حول عجز الرئيس الصحي.عوض ذلك، اكتفت مشاورات أويحيى بالاستماع إلى “نكت دستورية”، على شاكلة ما طرحه رئيس حزب يدعى “الوفاق الوطني”، اسمه بوخزنة، طالب بتمديد العهدة الرئاسية إلى سبع سنوات، أي تمكين بوتفليقة من سنتين إضافيتين إلى سنواته الخمس الحالية “حتى يتسنى له تطبيق برنامجه” الذي لم تسعفه عشرون سنة في تطبيقه !ويكون أويحيى قد ابتسم أو قهقه في سره ربما، من اقتراح شلبية محجوبي إنشاء مجلس رئاسي بتزكية من رئيس الجمهورية “يضم 9 أعضاء يقومون بانتخاب رئيس المجلس وينوب هذا الأخير عن رئيس الجمهورية”. الظاهر أن هذه السيدة نسيت أنها تقدم اقتراحا لدستور الأصل فيه الديمومة، فحاولت أن تبحث عن مخرج يبقي الرئيس رئيسا وينزع عنه أعباء الحكم !قد يسأل السائل عن دوافع هذا التزلف الزائد عن الحد لشخص الرئيس من قبل أناس يفترض فيهم قيادة الرأي العام؟ والجواب أن هذه الأحزاب تشعر بالولاء للسلطة لأنها هي من اعتمدها ويملك قرار الإبقاء عليها أو فضها، بينما لا تشعر بأدنى وازع أمام الشعب الذي يفترض أن يكون القاعدة التي تستند عليها.والمضحك المبكي أيضا في ما تقوم به السلطة، أنها ألبست شخصيات زاولت مهام تنفيذية أو استشارية في الدولة، لبوس “الشخصية الوطنية”، ودعتها إلى التقاط الصور في مقر الرئاسة كطرف تستمع إلى اقتراحاته، وليت كاميرات التلفزيونات الخاصة تنزل إلى الشارع لتسأل المواطنين عن هذه الشخصيات، كما تهكمت على منافسي بوتفليقة في الرئاسيات.يبدو أن السلطة أدركت أخيرا أن اكتئاب الجزائريين سببه ممارساتها.. فقررت تسليتهم بنكت “الدستور الجديد” !
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات