كأس العالم لكرة القدم، تلك القصة التي بدأت بمعية جول ريمي الفرنسي، لرياضة إنجليزية الأصل، لها وجه اقتصادي أيضا، فبغض النظر عن واجهتها وبعدها الرياضي، فإن تنافس الدول لاحتضان كأس عالم لا ينم فقط عن الرغبة في التشرف باستقبال مجموعة من أكبر الفرق الرياضية في أكثر الرياضات شعبية، ولكنها أيضا فرصة لتحفيز اقتصادياتها بطرق شتى، وإذا كانت الطبعة البرازيلية لكأس العالم أغلى الطبعات على الإطلاق بتكلفة فاقت 11 مليار دولار، فإن عائدات مثل هذه التظاهرات لا تقل أهمية عن النفقات التي ضخ جزء منها على إعادة تأهيل وتهيئة البنى التحتية والمئات القاعدية، فالبرازيل استقبلت بمناسبة هذه المناسبة الدولية حوالي 700 ألف شخص جاءوا خصيصا لحضور الحفل الكروي الدولي، ويتوقع أن تصل التحويلات المالية لهؤلاء بمعدل 1000 دولار للفرد، أي في حدود 700 مليون دولار كمتوسط، وتجني الدولة البرازيلية من عدة وسائط إيرادات أخرى، ناهيك عن الصدى الإعلامي والإشهاري، لتظاهرة تتوجه إليها الأنظار من كافة بلاد العالم لمدة شهر، وللتدليل على أن تظاهرات مثل كأس العالم أضحت ماكنة اقتصادية، فإنه يكفي التركيز على عائدات الرعاية الإشهارية التي ترصدها الفيفا، والتي كانت لا تتجاوز ملياري دولار في أول كأس عالم شاركت فيها الجزائر في إسبانيا عام 1982، لتصل قرابة 20 مليار دولار في الطبعة البرازيلية بعد 32 سنة، أما الوجه الاقتصادي الثاني، فهو متعلق بحقوق البث التلفزيوني والتي تتضاعف باستمرار، حيث قدرت ما بين 50 و100 مليون دولار بالنسبة لقنوات تلفزيونية، تعتمد بدورها على الرعاية الإشهارية لتحقيق إيرادات وأرباح كعائد استثمار، في وقت تشن العلامات حربا تجارية ومنافسة شرسة للتموقع في الحدث الدولي، هذه الحرب التجارية والاقتصادية التي نجدها على خلفية الواجهة الرياضية، هي الرهان الأساسي للكثير من الفاعلين الذين يجنون الملايير من وراء تنظيم وتنشيط أكبر التظاهرات الدولية والتي بدونها لن يكون لها أي معنى في واقع الأمر، وفي المحصلة، فإن بلد السامبا لن يخرج بخفي حنين كما يقال، وقد غير الكثير بفضل هذه التظاهرة، كما برز ذلك من قبل في جنوب إفريقيا، أما نحن في بلادنا، فإن البحث عن العائد منعدم، بل إن كافة التظاهرات التي نظمت، والتي أنفق عليها الملايير، لم تنتج عنها أي تبعات، اللهم إلا كثرة الزردات والتبذير المفرط، وليقال بأن المسؤول أو الزعيم أقام تظاهرة كبيرة بحجم تلك التي نظمت من قبل أو كانت أكثر حجما منها، إذ ماذا جنت الجزائر من المهرجان الإفريقي وسنوات الجزائر بفرنسا وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية والجزائر العاصمة عاصمة الثقافة العربية، ونفس الأمر سينطبق على قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، فمنطق أن ننفق أكثر مما نجني، هذا في حالة ما إذا جنينا شيئا، حيث أن الحسابات السياسية والفردية تطغى على أي اعتبارات أخرى، والمهم أنه ما دام هنالك بترول وغاز فلماذا سنكلف أنفسنا عناء التفكير في الأعباء والتكاليف، ولكن كما يقول المثل الإنجليزي القديم لن نقدر حقا قيمة الماء إلا بعد أن يجف البئر، أو على حد قول الخبير الأمريكي في مجال فن التسيير، يتمثل التسيير في أن ننجز الأشياء، أما القيادة فإنها مرتبطة بالقيام بالأشياء المناسبة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات