تعيش وحيدة بعدما تخلّى عنها أفراد عائلتها، ولتؤنس وحدتها تعتني بقطط الحي، تشغل بها فراغها الزمني والعاطفي، ويا لهول ما تفعل! لا يتوان أي من ذكور الحي على بهدلتها، زجرها وحتى تهديدها، لا يتوان أي كان، ممن يرون حالهم “صالحين” وممن معروف عنهم أنهم “طالحون”، الكل يهدد ويتوعد، “سئمنا من القطط- ضقنا ذرعا بالقطط- ملأت الحي قططا- وسّخت الحي بالقطط- الرائحة الكريهة تعمّ المكان بسبب القطط- تبا لك وللقطط- غدا إن شاء اللّه سأشكوك في مقر الشرطة- غدا سأتصل بمصالح “الڤالوفة”، وما لم أذكر أعظم.. كل هذا لأنها وحيدة تستأنس بحيوانات لطيفة لا تطلب إلا أن تعيش بسلام، الأنكى أن بعض من يتوعدها هم ممن لا يفوّتون صلاة في المسجد، وإن صادف وقابلوها عند خروجهم من المسجد وهي تطعم القطط في الساحة العامة يتعدّون عليها بالألفاظ القبيحة والتصرفات الهمجية، فمن يسبّها ومن يرفع حجرا يضرب به القطط متفاخرا بهمجيته. أتساؤل حقا، ماذا كانوا يفعلون بالمسجد، لمن كانوا يسجدون، للرحمان أم للشيطان؟ هل هذا ما يدعو إليه دينهم؟ هل هكذا يكون جواب “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”؟ أهذا هو حق الجار الذي أوصى به الرسول حتى كاد يورثه، أهكذا تطبّق وصية الرسول في الرفق بالمرأة؟ماذا لو كانت الجارة رجلا مفتول العضلات، هل كان هؤلاء الذين لا يتوانون في رفع صوتهم أمامها والاستقواء عليها كالضباع تستقوي بكثرتها على فريستها، هل كانوا سيتجرأون على مثل هذا؟ لماذا لا يواجهون أولئك الذين يوزّعون “الزطلة والحشيش” على مرأى من الجميع نهارا جهارا؟ ألا يشكّلون خطرا عليهم وعلى أبنائهم، أم ماذا؟ هل القطط أخطر من المخدرات؟لو كانت الجارة البسيطة امرأة عصرية المظهر تملك سيارة فاخرة وذات نفوذ، هل كانوا يتجرأون عليها؟ كانوا سيهللون بحبّها لفعل الخير، وبتواضعها وحبّها للحيوان، كانوا سيسارعون لإرضائها والتقرب منها.ماذا لو كانت هذه الجارة تعطف على الأسود لا القطط، هل كان أجرؤهم على ظلمها يخاطر ويقف بوجهها أو وجه أحد الأسود؟ لا واللّه لن يفكر حتى في الأمر.لماذا، لأنهم بكل بساطة “حڤارون” يستقوون على امرأة وقطط ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، هم جماعة “تافهين” يقهرهم أرباب عملهم أو زوجاتهم أو أية سلطة أخرى فيفرغون قهرهم في وجه جارة وحيدة ضعيفة بدل السعي إلى الاعتناء بها ومؤانستها في وحدتها. هم “جبناء” يبدّدون ضعفهم بظلم مخلوقات ضعيفة قرن اسمها باسم من هو أفضل منهم– أبو هريرة رضي اللّه عنه– الصحابي الجليل الذي سار على درب رسول الرحمة الذي كان أرحم الخلق بالبشر والحيوان. بمن يقتدي هؤلاء؟ هم “أنانيون يكرهون الآخر”، بشرا كان أو حيوانا. وهنا الطامة الكبرى، كره الآخر، فحتى وإن افترضنا أن القطط حقا توسخ الحي، رحمة بالجارة وبالقطط التي لها الحق في الحياة مثلها مثلهم لعملوا على تنظيف الحي، فيؤجرون على صبرهم على الجارة وعلى تنظيفهم الحي.أتراهم يدركون أنهم خلقوا ليصلحوا في الأرض، والإصلاح في الأرض يشمل الإنسان كما الحيوان وحتى الطبيعة. يدّعون التحضر وهم أكثر همجية من الحيوان، لو كانوا متحضرين لتنظموا في حركات مدنية وعملوا على تعقيم القطط حتى لا تتكاثر، فيتعايشون معها في تناغم فهي من مخلوقات اللّه، ومن لا يرى عظمة الخالق في أبسط مخلوقاته فقد عمت بصيرته، هم قدوة سيئة لأبنائهم، يتعلّمون منهم الكبر وسوء الأخلاق وكره الآخر، ولكم أن تلحظوا قساوة الجيل الصاعد، جيل لا يعرف معنى الإنسانية.فتاة من حي العناصر لا تزال تحتفظ بإنسانيتها
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات