في هذه المرحلة السياسية عجزت أمريكا عن تأمين الكيان الصهيوني واستكمال النسيج الأمني الذي يؤمّن هذا الكيان، فكان الربيع العربي سانحة تاريخية ومنعرجا حاسما في تبديد المخاوف وإزالة المخاطر عن الكيان الصهيوني، حيث سقط نظام القذافي الأرعن الذي كان بمزاجيته وتقلباته المتنوعة والشاذة يدعم الجماعات التحررية في منطقة الشرق الأوسط ويستحدث حالة اللاأمن، فبزواله زال الدعم وعاد الضعف للجماعات التحررية وغابت التخوفات الصهيونية من هذا الجانب. وانهار الجيش العراقي باحتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين ودخول العراقيين في حرب طائفية شيعة-سنة وأكراد، وصارت العراق مرتع المخابرات العالمية منها الموساد الإسرائيلي.وانشغال الجيش المصري بتداعيات خرق الشرعية في 30 يونيو، ودخوله في مواجهات مسلحة مع الجماعات المسلحة في سيناء وتدمير الأنفاق بين مصر وفلسطين وتكرار غلق معبر رفح بدعوى محاربة الإرهاب، ودخل الجيش في متاهة خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية ومحاربة الإرهاب وإدارة البلاد مع الوضعية الصعبة للاقتصاد والوضع الاجتماعي المتدهور، فالجيش دخل مرحلة الاستنزاف فهو لا يشكّل تهديدا على الكيان الصهيوني، حتى المساعدات العربية والعالمية عن طريق الأحرار ستقلّ وتنعدم عن فلسطين ولا تعبر عبر مصر وسوريا، نظرا للوضع الصعب والخطير منها، المساعدات الجزائرية، وهذا كله في مصلحة الصهيونية.وفقدان الجيش السوري العربي قدراته العسكرية في حدود 70 بالمائة، ومع تخريب المنشآت والبنية التحتية لسوريا، والذي كان يخيف الكيان الصهيوني هو الجيش السوري وسلاحه الكيمياوي الذي كان يتوازن به مع السلاح النووي للكيان الصهيوني، مع الرفض المتبادل لتوقيع الاتفاقية، ونزعه اليوم هو مكسب صهيوني بامتياز واحتضانه للفصائل المقاومة واللاجئين الفلسطينيين؛ هذه المخاوف تبددت مع الحرب القائمة هناك، ودخول أطراف خارجية هناك كقطر والسعودية وتركيا وكل الجماعات الجهادية في العالم وأجهزة الاستخبارات العالمية منها الصهيونية، وما تشكّله الجبهة السورية من ضغط على لبنان وسلاح حزب اللّه اللبناني وضغط إنساني على الأردن “اللاجئين”. الوضع في البحرين واليمن شغل السعودية ومنطقة الخليج ببوادر الحرب الطائفية مع الحوثيين في جنوب السعودية، والجنوب الشرقي شيعة البحرين، وتدخّل الجيش السعودي في دولة البحرين لمساعدة النظام هناك.الوضع في تونس والساحل وليبيا كل ذلك يشكّل تهديداً للجيش الجزائري، الذي يراد له الاستنزاف وإغراقه في توترات إقليمية قد تعصف بقدراته وتجربته مع الإرهاب، مثل ما وقع في تينڤنتورين في القاعدة الغازية حيث الشركات الأجنبية.بهذا الوضع العام الذي أحدثه الربيع العربي، الذي لم تكن التداعيات متوقعة عند عموم الفعاليات في المجتمعات العربية، صار الكيان الصهيوني مؤمن لفترة لا تقل عن 50 سنة، وأغلب الدول العربية تحتاج إلى أكثر من 50 سنة لتعود لوضعها الطبيعي وتبني جيوشها ودولها من جديد، وهذا في حدّ ذاته لا يكون ميسورا، خاصة إذا عرفنا تنامي وتيرة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ودخول عوامل ما بعد الربيع في المعادلات الاجتماعية والسياسية، منها الانفصال والتشرذم العربي والتبعية المطلقة للغرب.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات