يقال ”إذا كسرت البيضة من الخارج، فإن ذلك يعني موتها وفناءها، وإذا كسرتها من الداخل فهذا يعني ولادة حياة جديدة”. تذكرنا هذه المقولة البسيطة والعميقة في نفس الوقت، بمآل ما سمي ”الربيع العربي”، إذ يتساءل المرء لمَ فشل رغم امتداده أفقيا على فئات اجتماعية واسعة، أين هو الخلل؟ لمَ عادت الدول العربية إلى نقطة الصفر أو إلى نقطة اللادولة مثل ليبيا وسوريا؟ لمَ لم نصل إلى التغيير المرجو؟ الجواب في البيضة.. هذا القول ينطبق على اجتماع المعارضة الجزائرية في ”ندوة الانتقال الديمقراطي” التي يستبشر بها الكثيرون خيرا. إلا أننا يجب أن نتوقف قليلا عند واقع المعارضة الجزائرية وما يمكن أن ننتظر منها..
أولا.. إن المعارضة عانت من التكسير سنوات متتالية ومن الداخل، وكان يمكن أن يكون ذلك دافعا لحياة متجددة داخلها، وبعث جديد لها داخل المجتمع. لكن للأسف، لم يكن هذا التكسير في الواقع من ذاتها، ولذلك حملت بذور ضعفها، لأن التكسير مثل ما حدث مع ”قصة البيضة”، كان من الخارج، وبأيدي النظام الذي سمح بوجودها أصلا، فلم تقدم جديدا للمجتمع، لا من حيث البرامج أو حتى الحاملين لهذه البرامج، أي نخبة سياسية جديدة وشابة، قادرة على قيادة قاطرة المعارضة، والوقوف في وجه النظام. ولذلك استطاع النظام أن يمرر كل ما يريد وبموافقة المعارضة.. ثانيا.. لم تتخلص المعارضة بعد من ذاك الارتباط بالنظام، الذي لا يبدو للعيان، فهو يشبه ”الحبل السري” الذي يربط الطفل بأمه، حتى بعد أن يكبر ويستقل بكيانه، تلك العلاقة اللامرئية التي تحركه دون وعي، فتنشئ عنده نوعا من الرقابة الذاتية، تجعله يتوجس من المستقبل ويخاف التغيير أو الانفصال والانفلات من الأصل. مشكلة المعارضة في الجزائر أنها نتاج هذا النظام مثل الأبناء، هناك العاق والمنفلت وهناك المطيع وهناك المتسامح وهكذا.. لكن الكل أبناء رحم واحدة، ولذلك لا نرى أن المعارضة تصنع الفارق في المجتمع، فهي تتحرك وفق منطق السلطة، تتعامل وفق مبدأ الفعل وردّة الفعل التي تكون دائما أقوى، عندما يكون الفعل قويا، وبالتالي فإن هذا التحرك للمعارضة هو نتيجة ما وصل إليه النظام ”الأب” أي الطريق المسدود، المعارضة حاليا متنفس له مع حجم الضغوط داخليا وخارجيا.. لذلك لا يكفي الاجتماع وتسجيل ردة الفعل، لنقول إننا في منعرج هام في تاريخ الدولة الجزائرية والخيار الديمقراطي.. باعتقادي ويظل هذا اعتقادي، أن المعارضة عليها أولا أن تخرج من بوتقة التبعية إلى ”الشبكة البرمجية” للنظام الجزائري، ومنظومته السياسية منذ الاستقلال، وأن تقطع ”الحبل السري” أولا. أن تتوقف عن استجداء رضا من هم فوق وفوق، ممن يتحكمون في مفاتيح السلطة في الجزائر منذ 62.. على المعارضة أن تتخلص من التعامل مع الوضع القائم والواقع الحالي المفروض من فوق، وتخلق واقعا جديدا، تملك مفاتيحه، يكون نتيجة تكوين قاعدة نضالية حقيقية، عن طريق التربية النضالية الحقيقية التي تبدأ من القاعدة، وتؤمن بمبادئ الديمقراطية وتدافع عنها إلى آخر رمق.. تؤمن فعلا بمبدأ الشعب هو السيد، وبالتداول على السلطة أولا داخل الحزب الواحد أي تقدم النموذج، وتؤمن بمبدأ الحوار مع باقي الفاعلين السياسيين، وبمبدأ تقبل الرأي الآخر. أن تنطلق من القاعدة الشعبية الفاعلة، من جمعيات وجامعات ونقابات، هذا المخزون البشري للنضال السياسي، والذي همش وأبعد عن صنع المعارضة، جعلها ترتبط بـ”الفوق” أكثر من ارتباطها بالقاعدة، وبالتالي فهي ضعيفة.. دون ذلك لن تصنع المعارضة أي منعرج في تاريخ الجزائر، وإن كان ما يحدث اليوم هو محاولة أولا لإعطاء بعض الأمل للمؤمنين بالتغيير خارج حلقة النظام..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات