لا تتوانى السلطة في استعمال أية وسيلة تمكنها من إضعاف المعارضة وإركاعها، فبعد أن فرضت وثيقة التعديل الدستوري حاولت استدراج المعارضة لمشاورات سطحية وغير ملزمة ينبثق عنها دستور توافقي، يكون بمثابة عملية التجميل لهذا النظام العجوز ليعيد له بعضا من بريقه الآفل، راحت تناور قبالة سواحل المعارضة المصرة على عقد ندوتها للانتقال الديمقراطي، بتأجيل منحهم الترخيص تارة وتغيير مكان إقامة هذه الندوة تارة أخرى، بهدف إدخال الشك والريب في نفوس الداعين لها، وتخويف وترهيب الراغبين في المشاركة فيها، خاصة أن السلطة فشلت فشلا ذريعا في تجميع شخصيات وأحزاب لها وزن ومصداقية بالساحة السياسية حول وثيقتها بما يحفظ لها ماء الوجه، وتقابل به حجم الأحزاب والشخصيات التي اختارت الضفة السياسية الأخرى. ولأن السلطة معروفة بمكرها وخداعها السياسي، حاولت في ربع الساعة الأخير من المباراة إخراج ورقة “الفيس” المحظور لترهب بها معارضيها لا أكثر. وبغض النظر عن أحقية هذا الحزب بما تبقى له من شخصيات تاريخية وأنصار ومحبين في المساهمة في إيجاد حلول للأزمة السياسية التي يتخبط فيها النظام بدرجة أولى، فإن الشخصيات التاريخية للحزب المحظور في صورة بلحاج وبوخمخم أدركوا بأن دعوة أويحيى لشخصيات من “الفيس” هي كمثل الدعوة التي وجهها المستعمر الفرنسي للجزائريين خلال الحرب العالمية الثانية بمشاركة الحلفاء للقتال ضد الألمان مقابل منحهم الاستقلال، والكل يعرف ماذا جرى بعد ذلك، ويكفي أن بلحاج وصف هذه الدعوة بالمكر والخديعة والمناورة السياسية الهادفة إلى التغطية على عقدة الشرعية.وبدل أن يستغل النظام تجمع جل أقطاب المعارضة في جهة واحدة ويفتح حوارا جادا حول سبل بناء دولة القانون وتكريس الحريات العامة وحقوق الإنسان وإعادة المصداقية للشرعية الشعبية، ظهر أنه عاجز عن التخلص من مرض الاستبداد في الحكم والاستئثار به، مفضلا بعض المسكنات الآنية كشراء السلم الاجتماعي والكذب والتدليس على الشعب وتخوين وتخويف كل من يناصبه العداء السياسي، من أجل إطالة عمره ولو بالعودة إلى أرشيف المأساة الوطنية، محاولا استغلال بعض الملفات التي قد تخدمه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات