دعت الحكومة طاقمها بضرورة شد الحزام في عامها هذا، لأن الأزمة سوف يكون وقعها شديدا على هذا الشعب الذي لم يستشر في تبذير الأموال التي صرفت في صفقات ومشاريع كانت قد ضاعت في مهب الريح في لحظة مجنونة، ولم تكن هذه الأموال الضائعة في الحقيقة سوى أموال الكادحين من الشعب التي أودعت من قِبل في خزينتهم العامة لصرفها في وقت الحاجة.لقد كانت الخزانة محكمة الغلق، ورغم ذلك تعرضت للسلب والنهب في دولة لم تعد فيها المحاسبة من الأجهزة الرقابية التي تعول عليها في مواجهة هذه “المافيا “التي أرادت أن تستنزف وحدها ثروة “الغلابى”، ولا تترك لهم شيئا يتقوتون به في مستقبل أيامهم، إنها عصابة من طراز جديد “تغوّلت” في مفاصل هذه الدولة بكل تملك من وسائل “الشطارة” و«التشيطن”.لقد دعت الحكومة إلى سياسة التقشف، وكان من المفروض أن تدعو إلى هذه السياسة الراشدة منذ فترة طويلة، لأنها كانت تعلم بأن البترول وحده غير كاف لتأمين حياة شعبها، ومع ذلك تجاهلت الواقع، وراحت تفتح الباب على مصراعيه لمن أراد أن يغني ويرقص، وكانت تظن أن الشتاء لن يقرب ديارها هذا العام، ما دامت أسعار هذه المادة مرتفعة في السوق العالمية، وكان صاحبها الصرصور قد ظن ذلك من قبل، ولكن الشتاء عاد من جديد غاضبا، ولم يجد ما يقتات به، فذهب إلى جارته النملة لتعينه على تجاوز محنته القاسية، ولكنها أغلقت الباب في وجهه، ربما تكون قد تذكرت كيف كان يسخر منها في فصل الصيف، عندما كانت تجهد نفسها في جمع المؤونة لمواجهة عواقب الدهر.لم تترك الحكومة شعبها الكادح يدخر، كما كانت تفعل صاحبته النملة ليقف بجانبها في هذه الأزمة، لأن الصراصير المتغوّلة في هذه الدولة، كانت في زمن البحبوحة ترقص بمهارة على بؤسه وشقائه، ولم تترك له شيئا يستمتع به غير هذا المهرجان الصيفي الذي طرب سمعه، وأشبع معدته، وأفلس جيبه، وهذا الطريق السيار الذي زاحمه على لقمة أبنائه، ولم تنته مهزلته بعد، وغيرها من الموبقات التي تثير في نفسه الاشمئزاز من أصحابها الذين ضحكوا عليه بعد أن فروا بجلدهم.عجيب أمر هذه الحكومة! تدعو إلى التقشف في وقت لا تزال فيه هذه الصراصير تعبث بالمال العام، فالتقشف الذي يتحمله الشعب لا يكفي وحده للخروج من هذه الأزمة، لأن أمرها قد استفحل، وصراصيرنا غير مستعدة للتضحية بجزء من مالها في سبيل هذا الوطن.لو أن هذه الحكومة من البداية تعاملت مع التقشف بمنطق النملة لما وجدت هذه الصراصير الفرصة مناسبة للعبث بمقدرات الدولة بهذه الصورة المفزعة.. إنها تعلم أبناءها عبر مقرراتها الدراسية قصة النملة والصرصور، ورغم ذلك تجد نفسها تواجه مصير هذا الصرصور الذي نسي مستقبله في غمرة هذه الرقصة الجميلة.لعل حكومتنا أرادت أن يكون هذا العام عاما للرمادة، وهذا يعني أنها تريد أن تقرأ هذه القصة قراءة نقدية واعية، لأنه من دون هذه القراءة لا شيء يمنع صراصير القبيلة من الإغارة على النملة مرة أخرى، ونهب ما جمعته في سنواتها العجاف[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات