قصّة زكريا عليه السّلام في القرآن

+ -

 خاطب سيّدنا زكريا عليه السّلام ربّه: {قَالَ رَبِّ أنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} مع أنّ النّداء له صدر من الملائكة {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ}؛ للإشعار بالمبالغة في التضرّع، وأنّه قد طرح الوسائط، واتّجه إلى خالقه مباشرة بشكره. ويظهر التعجّب من قدرته؛ لأنّه سبحانه أعطاه ما لم تجرِ العادة به.وقوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ اللّه يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} آل عمران:40، أي: مثل ذلك الفعل العجيب، والصّنع البديع الّذي رأيته من أن يكون لك ولد، وأنت شيخ كبير، وامرأتك عاقر، مثل ذلك الفعل يفعل اللّه ما يشاء أن يفعله؛ لأنّه سبحانه هو خالق الأسباب والمسبَّبَات، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء، وبقدرته أن يغيّر ما جرت به العادات بين النّاس.وقوله سبحانه {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِيَ آيَة قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} آل عمران:41، قال الزمخشري: وإنّما خَصَّ تكليم النّاس؛ لِيُعْلِمَه أنّه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة، مع إبقاء قدرته على التكلّم بذكر اللّه، ولذلك قال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِ وَالإبْكَارِ}، يعني في أيّام عجزك عن تكليم النّاس، وهي من الآيات الباهرة. ويمكن أن يُقال: إنّ زكريا عندما طلب آية يعرف بها أنّ زوجته قد حملت بهذا الغلام الّذي بشّره اللّه به، أخبره سبحانه أنّ العلامة على ذلك أن يوفّق إلى خلوص نفسه من شواغل الدّنيا، حتّى إنّه ليجد نفسه متّجهًا اتّجاهًا كليًّا إلى ذكر اللّه، وتمجيده وتسبيحه، دون أن يكون عنده أيّ دافع إلى كلام النّاس، أو مخالطتهم مع قدرته على ذلك.وفي سورة الأنبياء بعد الدّعوات الصّالحات الّتي تضرّع بها زكريا عليه السّلام إلى خالقه، جاء الجواب الرّبّاني: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} الأنبياء:90، والمراد من {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} أي: جعلناها تلد بعد أن كانت عقيمًا؛ تكريمًا له ورحمة به.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات