موسى عليه السّلام في القرآن

+ -

 اطمأن السّحرة على الأجر العظيم والمنزلة الموعودة والمكانة المشهودة. وجاء الموعد واليوم المشهود، ووقف الجميع ينتظرون أمر الطّاغية، كان ابتداء الكلام للطّاغية، قال مخاطبًا موسى: ألستَ أنتَ الّذي ربّيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا، وغذّيناه وكسوناه، وأنعمنا عليه مدّة من السّنين، ثمّ بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بأن قتلتَ منّا رجلاً، وجحدت نعمتنا عليك؟ قال موسى ردًّا على سؤال الطّاغية: أنَا لا أنكر أنّي قد فعلتُ تلك الفعلة، ولكنّني فعلتُ ما فعلت قبل أن يشرّفني اللّه بوحيه، ويكلّفني بحمل رسالته، وفضلاً عن ذلك، فأنَا كنت أجهل أنّ تلك الضربة الّتي ضربتها لذلك القبطي سوف تؤدّي إلى قتله، بل كان قصدي تأديبه، وكفّه عن الظلم.وكان من بين التهم الّتي وجّهها الطّاغية إلى موسى وأخيه هارون عليهما السّلام تهمة قديمة جديدة، حاصلها أنّهم إنّما يمتنعون عن قبول دعوة موسى؛ لأنّه في نظرهم إنّما جاء بما جاء به طلبًا للسّيادة عليهم، ونزعًا للسلطان من بين أيديهم.في ساحة المبارزة قال فرعون بحنق وغضب مخاطبًا موسى: لئن اتّخذتَ معبودًا من دوني، لأزجُّن بك في غياهب السّجون، وأجعلك عبرة لغيرك، فهذا شأني ومذهبي مع كلّ مَن يخالف أمري، ويتمرّد على طاعتي.بيد أنّ موسى عليه السّلام لم يلق بالاً لهذا التّهديد والوعيد، بل طلب من فرعون أن يقدّم البراهين والأدلة على صحّة دعواه، وعلى صواب طريقته. وهنا ألقَى السّحرة بسحرهم، وقد أخبر عنه القرآن بأنّه سحر عظيم، أرهب المجتمعين، وسحر أعينهم، بيد أنّ هذا السّحر وما نتج عنه سرعان ما تهاوى، وانطوى في ومضة، وزالت آثاره بعد أن قذفه موسى بسلاح الحقّ الّذي سلّحه به ربّه، حيث ألقى موسى عصاه، فإذا هي حيّة عظيمة، أفزعت الجمع بأسره، وأصابت الهزيمة المنكرة فرعون وملأه، بعد أن أنزل موسى عليه السّلام بهم الخذلان والخيبة، ولمّا رأى سحرة فرعون الأمر كذلك، علموا أنّ ما جاء به موسى هو الحقّ، فآمَنُوا به، وعبَّرُوا عن هذا الإيمان بالسّجود للّه ربّ العالمين؛ وتحوَّل السّحرة من التحدّي السّافر إلى التّسليم المُطلق أمام صولة الحقّ الّذي لا يجحده إلاّ مُكابر حقود.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات