38serv

+ -

عرض، أول أمس، بقاعة ابن زيدون في رياض الفتح، فيلم ”ثورة الزنج”، للمخرج الجزائري طارق تقية، ضمن فعاليات المهرجان الثقافي المغاربي الثاني للسينما. ويصوّر الفيلم اهتمام صحفي يدعى ”ابن بطوطة” بثورة ”الزنج” التي قادها علي بن محمد ضد الخليفة العباسي المنتصر بالله، خلال القرن التاسع. تدور أحداث فيلم ”ثورة الزنج” حول شخصية صحفي يدعى ابن بطوطة، يوفد إلى الجنوب لتغطية مظاهرات في غرداية، وبمجرد أن ينغمس في عمله ويتقرب من المتظاهرين، حتى تثير انتباهه كلمة ”الزنج” ثم ”ثورة الزنج”، يتساءل عن معناها ويقرر معرفة أدق تفاصيلها، فيدرك أنها تشكل ثورة منسية في التاريخ العربي الإسلامي، حيث جرت في عام 255 هجرية، وتحيل على ثورة ”زنج البصرة” في العراق التي سعت لزعزعة استقرار دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في بادئ الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين، وفقراء العراق، وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة: الزنج، أهل القرى، العرب، وعدة عشائر عربية ثائرة على السلطة المركزية. ينطلق ابن بطوطة في سفر إلى المشرق بحثا عن الحقيقة، في عالم يعيش أزمات متعددة، فيصل إلى بيروت التي أنهكتها حروب الطوائف، ويتعرف على ”نهلة” الفتاة الفلسطينية القادمة من اليونان، حيث ثار ”زنج” الأزمنة الحديثة على حكومة يونانية أنهكتها الأزمة الاقتصادية ولم تعد قادرة على توفير العدالة بين المواطنين. وقبل ذلك يحيل الفيلم على أحداث أكتوبر 1988، ليسير على نفس الخط، أي تسليط الأَضواء على ”ثورات الزنج” أينما كانت، إذ تحيل شخصية نهلة إلى القضية الفلسطينية من جهة، وإلى شخصية ”نهلة” بطلة فيلم فاروق بلوفة الذي كتبه رشيد بوجدرة، والتي ترمز إلى شخصية الفلسطيني المستمرة في المقاومة من جهة أخرى. كما يشير فيلم ”ثورة الزنج” إلى الصراعات الطائفية في العالم العربي، ويتوقف عند المآسي التي سببتها الرأسمالية العالمية، أمريكا بالخصوص، على الشعوب المقهورة أو ما يمكن تسميتهم بزنج العصور الحديثة، ويجعل من مدينة نيويورك مكانا لائقا لإبراز الدور الذي تلعبه الرأسمالية المالية في تأجيج الصراعات عبر العالم اليوم. بمجرد أن يصل الصحفي ابن بطوطة إلى ”البصرة”، مكان ثورة الزنج، حتى نسمعه يردد ”لا يوجد شيء”، فلا أثر للثورة، والمكان الذي قامت بها اندثر واختفى، ولم تبق معالمه سوى في الذاكرة والتاريخ الذي يتكرر ويعود عودا أبديا. ودون الوقوع في فخ الخطاب المباشر، نظرا لكون موضوع الفيلم يظل موضوعا سياسيا وعقائديا بامتياز.

استطاع طارق تقية أن يجعل من فيلمه لحظة تأمل أكثر منه لحظة ننتظر منها بروز الحقيقة، وهي لحظة اكتشاف ودهشة وإبحار، دون اتخاذ مواقف أيديولوجية، فالفيلم يفرض نفسه على المشاهد، بفضل لمسات جمالية ومواقف إنسانية، متجنبا وفق ذلك تلك الثرثرة الفارغة والصخب الزائد، فلا نأخذ منه في المحصلة سوى شعور بأهمية التاريخ في فهم سلوك البشر. ويستمد الفيلم قوته من رغبة ابن بطوطة في السير نحو التاريخ المنسي لإدراك وفهم انحرافات اليوم، علما أن ثورة الزنج ظلت في التاريخ العربي الإسلامي ثورة منبوذة ومسكوتا عنها وغير مرغوب بها، حتى أن الطبري في تاريخه وصف قائدها علي بن محمد ”بالخبيث واللعين”، وهو ما لا يقوله ابن بطوطة الذي يأتي من خارج التاريخ الرسمي، ولا الذي لا همّ له سوى معرفة أسباب تعرض البسطاء للقهر والاضطهاد. وبذلك يكون طارق تقية قد ثأر لـ«على بن محمد”، ولزنج الأمس واليوم على حد سواء. يذكر أن الفيلم حاز على الجائزة الكبرى ”جانين بزان” في المهرجان الدولي لبلفور (فرنسا)، وجائزة ”سكريب للسينما” التي تمنح سنويا لعمل تجديدي تكريما للأخوين لوميير. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: