لم يتزاحم الصحافيون أمس وأول أمس إلى مقر رئاسة الجمهورية، ليستجوبوا ضيوف وزير الدولة مدير ديوان الرئاسة المكلف بالحوار حول تعديل الدستور، حسبما شاهدناه عبر التلفزيونات التي نقلت صور باباس، بوعمران وبوخزنة. وشاهد الجزائريون أيضا مضيفهم وكأنه يبدو عليه شيء من الحرج، هكذا ظهر لكاتب هذه السطور. وهل يمكن أن يكون أويحيى سعيدا بتلك المشاهد، وهو الذي “اغتصب” الدستور، عندما كان رئيسا للحكومة، على حد وصف المعارضة.ولا يمكن للمتابع لهذه اللقاءات التي بدأت بهذه الشخصيات، إلا أن يشبهها بالمونولوج. لأن الذين تعاقبوا على ضيافة أويحيى ينتمون إلى المنظومة نفسها التي ينتمي إليها. وبالتالي فإن ما دار بينهم لا يتعدى كونه حوارا داخليا لا يعني الأطراف الفعلية التي طرحت فكرة تعديل الدستور، ونددت قبلها بما أسمته “اغتصابه”. فلا أحد يشهد لبوخزنة أو بوعمران أو باباس أنهم طرحوا أفكارا جريئة حول هذه “المعضلة”، أو أنهم انزعجوا من الصيغة الحالية للدستور، وأشكال التعامل معه من طرف النظام. وبالتالي لا ينتظر منهم الناس أن يتجرأوا ويقولوا أشياء خارقة.ربما كان ما يقوم به أويحيى، سيجلب الأنظار والاهتمام، لو استهله باستضافة شخصيات أو أحزاب تحمل أفكارا غير الأفكار التي يدافع عنها هو مع الذين يتكفل نيابة عنهم بكل المهام التي توكل إليه، حينها يثور النقاش وتتحقق قيمة مضافة، ويتابع الناس مجريات هذا الحوار الذي سيعنيهم.يظهر أويحيى “تعيسا” في المشاهد التي تبثها القنوات التلفزيونية وهو يستقبل ضيوفه، ولا يستطيع أن يكون غير ذلك، لأنه حتى أبو جرة سلطاني اعتذر عن لقائه. وأكثر من ذلك لأن التاريخ شهد أن الدستور تغيّر ثلاث مرات وهو في قلب تلك التغييرات، مرة في رئاسة ليامين زروال، ومرتين في عهد عبد العزيز بوتفليقة. وبعد كلا التغييرين احتاج الدستور الجزائري إلى تغيير ثالث وسيحتاج أيضا إلى تغيير جديد، سواء بقي أويحيى في النظام أو رحل عنه، وهو المكلف بمهمة تقنية بروتوكولية، يجمع الكلام ويفعل غيره ما يرونه لائقا بهم. ويعلم أويحيى أنه لو سارت الأمور خلافا لما سارت عليه قبل الانتخابات الرئاسية، لما كلفه أحد بما يقوم به اليوم، وما سبقه من تحضيرات عندما تكفل شخصيا بمهاتفة رؤساء الأحزاب والشخصيات ليطلب منهم تشريفه بالحضور إلى رئاسة الجمهورية ليستمع إلى اقتراحاتهم حول الدستور، الذي سبق وأن تكفل مكتب دراسات قانوني أجنبي بإعداد ديباجته الأولية التي فرضت الأحداث وضعها في الأرشيف.ما أتعس الإنسان الذي يجد نفسه في وضع السيد أحمد أويحيى، الذي “تكبر عليه” الناس ورفضوا الاستجابة لدعوته، ولم يشربوا مع الشاي في رئاسة الجمهورية، ثم لا يجد حلا غير ارتجال “مونولوج”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات