لماذا لم يتسامح النقاد مع محمد مولسهول؟

+ -

 عندما يكمل القارئ رواية “ماذا ينتظر القردة” أول سؤال يتبادر إلى ذهنه هو: لماذا تحامل النقاد على كاتبه محمد مولسهول (ياسمينة خضرة)، رغم ما في الرواية من عنف وتشويق وكثير من الحقائق؟     لا يستطيع قارئ الرواية الأخيرة للأديب الجزائري ياسمينة خضرة “ماذا ينتظر القردة” أن يتخلى عنها إلى غاية الصفحة 355 من الطبعة الأولى، الصادرة عن منشورات القصبة، وهي الصفحة الأخيرة التي يخرج فيها مفتش الشرطة زين منتشيا إلى الشارع في الجزائر العاصمة مسترجعا رجولته، بعد أن خلص المدينة من أحد “ربوبها” الحاج سعد حمر العين الذي نسج فيها وفي كامل الجمهورية شبكة موازية للدولة ولقوانينها. وتدور الرواية حول جريمة قتل غامضة تعرضت لها “نجمة” فتاة عزباء عثر على جثتها مرمية في غابة باينام بضواحي العاصمة. وتتشابك الأحداث فيها، عندما تحاول محافظ الشرطة نورة، المكلفة بالتحقيق في الجريمة، كشف مرتكبيها وتقديمهم أمام القضاء. وتكتشف مع مساعديها ومنهما المفتش زين الذي نجا من الموت على أيدي جماعة إرهابية، كم هي معقدة الجزائر ومؤسساتها ومنها الشرطة التي تشتغل فيها نورة. والعدالة التي لا تتورع عن التكتم على جرائم كثيرة مثل مقتل نجمة. وتكتشف المحافظ أيضا أنه يوجد في الجمهورية التي أقسمت عندما أنهت تكوينها أن تسهر على تطبيق قوانينها وتحمي ضعفاءها، قوانين أخرى وضعتها العصابات منها عصابة “المجاهد” الحاج سعد حمر العين والبارون الإعلامي “الدايم”، اللذين يعينان الوزراء، الضباط السامين، السفراء والقناصلة، السيناتورات والنواب في البرلمان ومديري البنوك وكل من فيه رائحة الريع، واللذين يهديهما الطامحون إلى الوصول إلى تلك المناصب حتى نساءهم. وسرد الكاتب قصة صعود حمر العين إلى الأعلى حتى صار أحد “ربوب الجزائر”، وهو الذي توغل إلى الأسرة الثورية بفضل انتقامه من التي كانت تستخدمه في ماخورها، والتي قتلها ليمحو الذل والإهانة، وصار مجاهدا كبيرا بعد الاستقلال لا تطبق عليه قوانين الجمهورية، وإنما هو الذي يمارس فيها قوانينه الخاصة.لم يتناول النقاد الذين يكتبون باللغة الفرنسية هذه الأجزاء التي قد تكون هامة من رواية “ماذا يريد القردة”، كما لم يتناولوا النفوذ الخارق للبارون الإعلامي الدايم، الذي يوظفه من فوق لتحطيم الطاقات وطرد الكفاءات وتفكيك العائلات، ليستمروا في السيطرة على الريع وسرقة الخيرات، ولا يسمحون له إلا بالسطو على جزء مهم منها. وكان على النقاد مثلا أن ينتبهوا أن “جماعة الربوبة” تحافظ على منافذ دخول الوسط الضيق الذي تشكله ولا تسمح للمتملقين مثل البارون الإعلامي من التسلل إليهم. ولا شك أن الكاتب من خلال مساره الشخصي كابن ضابط في جيش التحرير الوطني، وتربى بعد الاستقلال على يد زملاء والده في مدارس أشبال الثورة، إلى أن غادر الجيش الوطني الشعبي، تحلى بجرأة كبيرة، مثلما فعل في رواية سابقة وتناول مواضيع تعتبر من “المحرمات”. ربما لهذا يرفض له النقاد حق “السبق” في صناعة شخوص روائية من واقع الجزائريين المر. وأكثر من ذلك تجرأ الكاتب وكشف مسؤولية “المجاهد” سعد حمر العين في جريمة قتل حفيدته “نجمة” مع كل ما يوحي ذلك إلى مسؤوليات الجيل السابق في مآسي الأجيال الحالية.تحتوي رواية “ماذا ينتظر القردة” على صفحات سوداء من العنف، وتسيل فيها كثير من الدماء، وتدور وقائعها في جغرافيا ليست غريبة على القراء. لكن محمد مولسهول “ليس سهلا”، ومن فرط حساسيته يعيد له النقاد الفكة، بعدم التسامح معه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: