عاد الجمهوريون الإسبان هذه الأيام للوقوف على المحتشدات التي رمى فيها الفرنسيون أسلافهم، والمزارع التي اشتغلوا فيها عند “الكولون” ومشوا في المدن التي احتمى بها الهاربون من فاشية فرانكو، ومات فيها كثير منهم تحت رصاص وقنابل الجيش السري “أو. آ. أس” قبل استقلال الجزائر.ولم يحظ هؤلاء الذين يشاركون الجزائريين في جزء مهم من ذاكرتهم القريبة، بنفس الهيلمان الذي يحظى به جان بيار الكباش، مثلا، كلما عاد إلى المدينة التي ولد فيها وهران.وأقاموا في الجزائر في صمت يذرفون الدموع، ولم تهتم بهم القنوات التلفزيونية الجزائرية الرسمية والخاصة. ولم يقم لهم الولاة ورؤساء البلديات الولائم والمشاوي. ولم ينتبه إليهم الذين يحتكرون الذاكرة الجزائرية، من ممثلي الجمعيات التي تسمي نفسها الأسرة الثورية.وروى الجمهوريون الإسبان في سفريتهم التي قادتهم إلى وهران، غليزان ومستغانم، افتخارهم بالـ500 مقاوم جزائري الذين حملوا السلاح مع أسلافهم في الأراضي الإسبانية ضمن 54 جنسية للدفاع عن الجمهورية ومجابهة الفاشية والنازية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. ومازالوا يذكرون بفخر أسماء مقاومين جمهوريين جزائريين ماتوا عندهم، ولا يعرف عنهم الجزائريون الشيء الكثير.وكانوا يتمنون زيارة مدن أخرى منها بشار، الشلف، سيدي بلعباس، بوغار، البرواڤية وغيرها، ليحكوا لسكانها كيف جاعوا في المحتشدات مع الجزائريين، وكيف مات الكثير منهم مع مجاهدي جيش التحرير الوطني عندما اندلعت الثورة لأنهم اختاروها وآمنوا بها ومازالوا إلى اليوم يقدسونها.أنفقت الجزائر الملايير لشراء أصوات الدول الإفريقية، في إطار معاركها الدبلوماسية، ويعرف أعيان النظام عندنا أن تلك الأموال يستفيد منها نظراؤهم من أعيان الأنظمة الإفريقية، وليس شعوبها التي مازالت تهرب إلينا هاربة من الموت بالرصاص والجوع وتملأ شوارع مدننا وتمد أيديها.ومن فرط ذكاء وقوة الدبلوماسية الرسمية الجزائرية، فإنها تكاد تُسلب منها إحدى أكبر أدوات إشعاعها في إفريقيا، الطريقة التيجانية. ومع ذلك تواصل الإنفاق لأنها لا تعرف دبلوماسية أخرى غير “شراء الذمم” في الداخل والخارج.عاد الجمهوريون الإسبان إلى الجزائر التي هربوا إليها قبل ثلاثة أرباع القرن، ليكشفوا لنا كم نحن فقراء دبلوماسيا، ولا نستطيع الحفاظ على الذين يحبوننا ويقدسون جهاد أسلافنا، ونجري وراء الذي يجابهنا جهارا ولا يخفي نواياه في نهب ما تبقى من خيرات جزائريي المستقبل ويجعلهم من جديد فئران تجارب تماما مثلما فعل في “الجربوع الأزرق”، ويريد أن يفرض علينا “جربوعا صخريا”[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات