الكثير من متتبعي المشهد السياسي بالجزائر يتذكر الفترة العصيبة التي مرت بها الجزائر خلال العشرية السوداء، والمحطة الهامة التي ضيعها النظام آنذاك حينما أدار ظهره لما عرف بعقد سانت إيجديو بروما، الذي وقع في 13 جانفي من سنة 1995 من قِبل زبدة السياسيين الجزائريين، من أمثال مهري وآيت أحمد وبن بلة وعلي يحيى عبد النور وجاب اللّه وبوكروح ونحناح. ورغم أن هذا العقد حمل بين طياته كل الخير للجزائر، بداية من تأكيد الأحزاب والشخصيات المشاركة على معارضتها لأي تدخل في شؤون الجزائر، وأن حلّ الأزمة يكون من قِبل الجزائريين وداخل الجزائر. وحمل هذا العقد مبادئ كانت كفيلة بوقف إراقة الدماء، لو أن النظام استجاب له، وتخلى عن موقفه الراديكالي الاستئصالي، فخرجت المسيرات العفوية “المنظمة بإحكام من قِبل النظام” للتنديد بهذا العقد ووصف مهندسيه من رجال السياسية الجزائرية التاريخيين بـ«الخونة” الساعين لتدويل القضية الجزائرية وفتح الباب للتدخل الأجنبي. وهكذا تمكّن النظام من إسقاط هذه الوثيقة في الماء، ومع ذلك فقد اعترف رئيس الجمهورية، بوتفليقة، بقيمة هذه الوثيقة وبالموعد الهام الذي ضيّعته الجزائر آنذاك، واليوم نجد أنفسنا أمام الوضع نفسه، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فالمعارضة الحالية أصبحت أكبر قوة ونضجا بعد رئاسيات 17 أفريل برفضها لدعوة “التشاور” حول تعديل الدستور، وإصرارها على الانتقال الديمقراطي وكذا سعيها لإيجاد إطار موحد وجامع للإيرادات الوطنية لا يتطلب أي تسلسل هرمي، ويأمل مشاركة وإسهام الجميع في تحديد الآليات وترتيب الأوليات، ثم الخوض في وضع دستور توافقي وفق أسس توافقية حقيقية متفق عليها. وعلى هذا دعت هذه المعارضة إلى ندوة “الهيلتون”، المقررة يوم العاشر من الشهر الداخل، آملة في أن يلتحق قطب التغيير بهذه المبادرة التي تعدّ بمثابة ثاني محطة يجب ألا تضيع على الجزائر، رغم أن نجاحها يبقى دائما مرهونا بمدى قابلية النظام للتفاعل معها بإيجاب مادام أنه الماسك بزمام الأمور. فهل سيتفاعل الرئيس ومن ولاه هذه المرة بإيجابية مع ما تقترحه المعارضة، أم أن التشاور سيفرض نفسه مع من حضر؟[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات