شكّل المدّ الصوفي في إفريقيا المسلمة عامة وغرب وشمال إفريقيا خاصة رهانا سياسيا لبعض الدول من أجل بسط نفوذها والتآمر على دول منافسة لها لزعزعتها. ولا يختلف اثنان في دور الطرق الصوفية في نشر الإسلام والدعوة إليه وتعليم اللغة العربية وبناء المحاضر والزاويا الدينية في ربوع وأدغال إفريقيا، وهذا ما جعلها عرضة للأطماع السياسية والانتخابية.وفي هذا الاتجاه كانت سياسات القائد الليبي الراحل معمر القذافي، حيث شكّل شبكة دعوية على مستوى إفريقيا تحت لواء جمعية الدعوة الإسلامية التي انتشرت فروعها في كل العواصم الإفريقية، وكان تحركها في بسط النفوذ ومواجهة المدّ الدعوي والإغاثي الخليجي (السعودية والكويت ومؤخرا دولة قطر)، وريادة العمل الإسلامي، وكان القذافي يرشح نفسه للإمارة الدينية، وكان يعقد المؤتمرات والقوافل والندوات، ويؤطر الجمعيات والمنظمات الإسلامية وكذلك بعض الطرق الصوفية، وأسّس تنظيما شعبيا عالميا للطرق الصوفية وعقد مؤتمرة في مدينة تامبكتو بالمالي عام 2010. وكان القذافي يستهدف الطريقة التيجانية لما لها من نفوذ وانتشار بشري وامتداد جغرافي في نيجيريا وجدها 36 مليون مريد وقيادتها الروحية في الجزائر بمدينه عين ماضي بالأغواط، وكذلك دولة السنغال التي تسمى بالدولة التيجانية.وبعد مقتل القذافي، في مطلع منتصف عام 2011، جاء دور المغرب، حيث عقيدة الإمارة الدينية مازالت قائمة عند العرش الملكي، وبعد انحصار دورهم في إفريقيا بسبب القضية الصحراء الغربية اتجه العرش المغربي في سياسات تآمرية ضد الجزائر، حيث يحمّلها مسؤولية تردي وضعها الدبلوماسي في القارة الإفريقية وانحصار نفوذها، خاصة مع تردي الوضع الأمني في الساحل وجد العرش نفسه بلا دور ولا نفوذ، وأطلق العرش المغربي جملة من المشاريع في اتجاه زعزعة الجزائر وخلط أوراقها، ومن أبرز مشاريع خلط الأوراق والتشويش المشروع الديني في بعده الصوفي.منذ أكثر من عشر سنوات والمغرب يسعى لتأطير التيار الصوفي في غرب وشمال إفريقيا، من خلال التشكيك وسحب البساط من المرجعية الصوفية لأكبر طريقة في إفريقيا المتواجدة في مدينة عين ماضي بالأغواط، ورفع لواء مدينة “فاس” بدعوى تاريخية ميلاد مؤسس الطريقة وأسس رابطة علماء وأئمة المغرب والسنغال عام 2011 على مستوى الرسمي والشعبي، والهدف الخفي من هذا التنظيم هو سحب التوجيه والتأثير من دولة موريتانيا الإسلامية التي لها دور المرجعية في تكوين وتوجيه الديني في كل هذه المنطقة حتى إلى دولة كوت ديفوار والساحل. ويريد المغرب التمدد الديني في غرب وشمال إفريقيا بخلقية سياسية واستخباراتية، وليس بخلفية حضارية لصيانة الهوية الإسلامية للمنطقة ومواجهة تحديات التنصير والجهل والفقر وسوء المعيشة.إن استعمال الطريقة التيجانية بطبعة مغربية الهدف منه استغلال المدّ التيجاني في إفريقيا للوصول لأصحاب القرار السياسي في هذه المنطقة والتأثير فيهم وتوجيههم وفق السياسات المغربية في الملف الصحراء الغربية، والتدخل المباشر في الملف الأمني لدول الساحل، والعمل على خلط أوراق المفاوضات بمالي، وإفساد دور الجزائر في المنطقة كما كان يفعل سابقا العقيد القذافي لما كان حيّا، أي إحياء مشروع العقيد القذافي، بإنشاء إمارة إسلامية في الصحراء الكبرى، وهذا يشكل في حد ذاته تهديدا أمنيا في الجنوب الجزائري. وهناك شكوك ومؤشرات تشير إلى علاقة مشبوهة بين المغرب والتنظيم المسلح حركة الجهاد والتوحيد الذي ينشط في المنطقة، والذي كان وراء عملية اختطاف الأجانب في الصحراء الغربية واختطاف الديبلوماسيين الجزائريين بمالي، وسائر العمليات المسلحة في منطقة الساحل وعلاقتها بأنصار الدين وقيادتها المشبوهة التي لها علاقات قوية بالعرش المغربي.إنشاء طريقة تيجانية موازية ومقرها مدينة فاس المغربية هو بداية التآمر على الامتداد الديني للجزائر، ومحاصرة نفوذها الروحي في المنطقة، وضرب الاستقرار الذي تعرفه الطرق الصوفية في المنطقة.فما الذي يجب فعله لمواجهة هذا التآمر الرخيص في المنطقة؟-رعاية المحاضر الدينية والطرق الصوفية، لأنها تشكل تراثا وطنيا بغضّ النظر عن خلافاتهم وخلاف الآخرين معهم، ويجب إدراج الطرق الصوفية في الرؤية الدينية الإستراتيجية في الحفاظ على الوحدة الدينية للجزائريين.-العمل على تطوير الطرق الصوفية والدفع بها نحو الرهان الراهن في المنطقة والخروج من السياق التقليدي والظهور بمظهر التبيع دوما، والحضور الكافي والدائم للطرق الصوفية في مناطق إشعاعها الروحي في إفريقيا بكل الوسائل، خاصة العلمية والتربوية، ودعم حركية الدعوة الإسلامية بالتكوين والتوجيه والهياكل والتنمية البشرية في إفريقيا.وهذه بعض النقاط التى نراها في مواجهة المؤامرة الدينية واللّه هو الموفق.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات