تحول ”الحل السياسي” في مالي إلى أولوية في أجندة باريس، بعدما أجهض هذا الخيار الذي رفعته الجزائر ودافعت عنه منذ بداية الأزمة في شمال مالي وحتى بعد التدخل العسكري الفرنسي في الساحل. لكن عودة السلطات الفرنسية إلى دعم الموقف الجزائري بشأن أسبقية الحل السياسي على العسكري لحل أزمة مالي، من خلال استضافة الجزائر للحركات المتمردة في مالي، يرمي في النهاية إلى تمكين باريس من نشر 3 آلاف جندي في الساحل.
أفادت صحيفة ”لوجورنال دوديمانش” أن وزير الدفاع الفرنسي كان سعيدا بما سمعه من الدبلوماسيين والعسكريين الجزائريين خلال زيارته الأخيرة، بشأن رغبة السلطات الجزائرية في الإسراع بدعوة الفصائل الترڤية المالية للحوار لحل الأزمة السياسية في مالي. ومرد ذلك كون باريس استخلصت في أعقاب عملية ”سيرفال” عدة دروس، من بينها ضرورة جعل الحل السياسي أولوية لحل الأزمة في مالي، وبالتالي تفاديها الوقوع في هذا المستنقع، خصوصا في كيدال التي تجددت بها الحرب بين حركة تحرير الأزواد والجيش المالي، وهي المنطقة التي تعد في قلب خطة باريس لإعادة الانتشار العسكري (3 آلاف جندي)، في سياق استراتيجيتها لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل. واستنادا لنفس الصحيفة فإن وزير الدفاع الفرنسي غضب كثيرا من قرار الرئيس المالي بوبكر كايتا عقب تدخل الجيش المالي في شمال البلاد وما نجم عن ذلك من تجدد للاشتباكات مع مقاتلي حركة الأزواد يوم 17 ماي، حيث ذكرت الصحيفة أن وزير الدفاع الفرنسي تلقى من مدير ديوانه، وهو في طائرته عائدا من الجزائر، رسالة على هاتفه تقول ”الرئيس كايتا خدعنا”، في إشارة إلى تخليه عن وعده بعدم تدخله بالجيش في شمال بلاده، وهو الأمر الذي تسبب في اشتباكات وسقوط قتلى وجرحى خصوصا في صفوف الجيش المالي. واضطرت هذه الاشتباكات الحكومة الفرنسية إلى تأجيل إعادة انتشار قواتها في المنطقة، بعدما كانت قد أعلنت عن نشر 3 آلاف جندي في شمال مالي والنيجر وتشاد لمنع الجماعات المسلحة الإرهابية من إعادة تشكيل صفوفها والعودة إلى معاقلها التي هجرتها بعد عملية ”سيرفال”. ويكون غضب باريس وضغوطها على حكومة باماكو وراء تعيين أمس وزير جديد للدفاع يدعى بانداي المتخرج من الكلية الحربية الفرنسية خلفا للوزير السابق صومايلو بوباي مايقا الذي استقال على خلفية هزيمة الجيش المالي في مواجهته مع حركة التحرير للأزواد يوم 17 ماي الجاري في شمال مالي، وهي الاشتباكات التي أفسدت على باريس مخططها لإعادة انتشار 3 آلاف جندي من قواتها في الساحل، غير أن تجدد المعارك دفعتها إلى تأجيل ذلك لعدة أسابيع. ويفهم من مسارعة وزير الدفاع الفرنسي باتجاه الجزائر أن باريس تراهن على ”وساطة” الجزائر التي أعلنت على لسان وزير الخارجية رمطان لعمامرة عن استعدادها لاستقبال الحركات المالية شهر جوان القادم من أجل استكمال أرضية المحادثات الرامية إلى إيجاد حل للأزمة في مالي، لتفادي السؤال الذي طرحته صحيفة ”لوجورنال دوديمانش”: هل سيتوقف محرك فرنسا في كيدال؟ في إشارة إلى احتمال غرق الجيش الفرنسي في مستنقع الساحل وعدم قدرته على الخروج منه، خصوصا بعد تعقد الأزمة الليبية وتداعياتها الأمنية الخطيرة على دول الجوار. فباريس تريد أن تعالج الجزائر الأزمة السياسية بين باماكو والحركات المتمردة، حتى يسهل على وزارة الدفاع الفرنسية تنفيذ مخططها الطويل المدى في المنطقة بدعوى محاربة الإرهاب، بعدما انتهت عمليا ورسميا عملية ”سيرفال”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات