نقول في التراث العالمي "إن الشجاعة تصنع الملوك أما الجرأة فتصنع الإمبراطوريات"، والجرأة لا تتوقف فقط على الأفراد، بل على الأمم والدول والشعوب والأنظمة، فأغلب القرارات التي صنعت الفرق، هي تلك القرارات الجريئة التي لا تنم فقط عن عمق رؤية أصحابها وقدرتهم على مواجهة الوضع، وإلمامهم بما حولهم، لكن أيضا عن قدرتهم على مواجهة الطارئ ورؤية كاملة للمستقبل، وقبل هذا تنم عن صدق الشخص أمام خياراته. يأتي الحديث عن الجرأة عند التطرق لموضوع الاقتصاد الجزائري، الذي رغم البحبوحة المالية التي ننعم بها، إلا انه لم يراوح مكانه، ورغم السلم والأمن الذي يروج له النظام لا نكاد نرى أجنبيا، بينما يتوقف أو ينحصر الاستثمار في الجزائر في البترول وبعض المجالات الضيقة. ويرجع عديد الخبراء أسباب هذا الوضع إلى تخوف المال الأجنبي من الاستثمار في الجزائر، لان الوضع في الجزائر رغم كل الشائعات غير مستقر، فالمال يبحث عن الاستقرار الاجتماعي، عن الشفافية في التعامل، عن جو أعمال غير ملوث بالفساد الرشوة و البيروقراطية القاتلة، العمولة والمساومات.. المال الأجنبي لا يحب الغموض، ولا يحب الشك، ولا يحب الخسارة أيضا.. ولان الشركات الأجنبية لا تراهن بأموالها، فإنها قبل أي خطوة تجمع كل المعطيات عن أوضاع الدول ومدى استقرارها واحتمال وجود هزات بها، ولا تغريها ما تروجه الحكومات من أخبار عن الاستقرار والغرام بين الأنظمة والشعوب، لا وتغريها الأرقام الوهمية عن التنمية.. فلديها كل التقارير الصادقة التي عن طريقها وبناءا عليها تحدد إستراتيجيتها الاستثمارية داخل أي دولة. ومهما قامت الدولة بتبييض صورتها وشراء صفحات على الجرائد العالمية، وشراء بعض الأقلام لتتحدث عن انجازاتها، فان الشركات الاجنبية تدرك أن الوضع في الجزائر ليس مستقرا، أو هو استقرار وهمي، فالنظام الذي يشتري السلم سينقلب عليه بمجرد أن تنفذ خزينته من الأموال، والنظام الذي يسير خارج إرادة الشعب واختياراته ويبني مستقبله على انتخابات يقاطعها نصف المنتخبين و النصف الآخر مزايد في مشاركته، لا يمكن أن يؤتمن جانبه، نظام يعاني من فساد كبير، بل من فاسد مقنّن لن تثق فيه الأموال الأجنبية.. ولنأخذ مثلا القاعدة 51/49 التي يصر على تطبيقها النظام الجزائري، الذي من المفروض أنه توجه نحو اقتصاد السوق منذ 1990، بحجة حماية الاقتصاد الوطني.. والسؤال أولا أي اقتصاد تتحدث عنه هذه السلطة؟ هل تقصد اقتصاد الاستيراد أو اقتصاد اليارورت والمياه المعدنية؟ الاقتصاد الذي لا يبنى على قواعد اقتصادية صلبة ومدروسة ودراسة حقيقية للسوق العالمية وسوق الاستهلاك الداخلي ويطور من خلالها أدوات استجابته وميكانيزمات تجدده، لا نسميه اقتصادا.. وثانيا من يمكنه أن يشارك الأجانب بـ51 بالمائة.. هل الدولة ستدخل دائما وفي كل الاستثمارات، وإن لم تكن الدولة، هل ينتظر المستثمر الأجنبي حتى يجد هذا الخاص الجزائري، لكي يشاركه وأي صفة؟ ومن هذا الخاص الذي يملك الأموال ليشارك مع الأجنبي، إن لم يكن ابن فلان وعلان من ذوي السلطة والنفوذ.. إن هذه الضبابية هي التي تعيق الاستثمار في الجزائر، بل تؤكد مرة أخرى بأننا نظام مافوي لا يقدم أي تصور لاستغلال البحبوحة المالية ليخلق الثروة ويحرك عجلة التنمية، أو هو نظام جبان لا يملك الجرأة على اتخاذ القرارات الحاسمة التي يمكنها أن تغير واقع الاقتصاد الجزائري وتخرجه من الركود وعدم النجاعة .. والسؤال الذي يحير لما الإصرار على هذه المادة بينما يهمل العمل بقانون يحمي الاقتصاد الجزائري من الانحراف والفساد وهو قانون الصفقات، حيث يتم تجاوزه منذ سنوات عديدة ويتم التعامل بالتراضي، حتى أصبح الاستثناء هو القاعدة والقانون..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات