لأن الاستبداد اليوم هو المرض العضال للجزائر، لم تكن هناك مفاجأة لا بخصوص الانتخابات الرئاسية ولا بخصوص ”التعديل الدستوري”، لهذا لا يمكن انتظار أي شيء من هذه السلطة غير التصرف بما يعزز استبدادها. فالانتخابات الرئاسية لم تكن انتخابات، وما حدث عبّر بشكل واضح معناه الوحيد: الاستبداد يزداد استبدادا. فمنظومة الريع والفساد، السند الأساسي للحكم اليوم، لا شيء قادر على الوقوف في وجهها، وهي تمكنت، ويبدو لفترة زمنية طويلة، من احتكار السلطة والثروة. إن الأمر خطير جدا. فالاستبداد منطقه واحد وسلوكه واحد في كل البلدان التي عانت أو تعاني منه ونتائجه أيضا واحدة. إنه يصبح أعمى ويصبح حقودا ويعمل على ”تدمير” كل خصومه وكل معارضة له بأساليب كثيرة، لعل أخطرها العنف والتخوين وتلفيق التهم وطبعا السجون والقمع وغيرها. لهذا فإن منطق دستور 2008 لا يعكس فقط ميلا باتجاه نظام رئاسوي، بل يعكس انفرادا وهيمنة واستبدادا. الخطر الآخر هو أن الانتخابات الرئاسية، تحضيرها وإدارتها، ثم ما حملته ”اقتراحات التعديل الدستوري” على وجه الخصوص من رسائل، تؤكد شيئا أساسيا: لقد استحكم الاستبداد والفساد وأن التغيير بالوسائل السياسية التقليدية غير ممكن. وأن على المجتمع أن يبدع مناهج عمل سياسية أخرى من أجل انتزاع التغيير. نعم ينبغي أن نسجل أن القاعدة الأساسية للعمل السياسي، أي أحزاب نضال سياسي انتخابات تداول على السلطة، معطلة تماما، ولم يسبق أن قبل بها النظام. اليوم ذهبت الأمور حد الاستبداد البواح والمنظم والذي أعلى أسوارا دستورية وأسوارا قانونية تحميه من كل شيء، من كل رقابة ومن أي مفاجأة ومن المجتمع كله، أحزابا وقوى اجتماعية وحتى من أي معارضة أو اعتراض داخل دواليب النظام نفسه. لهذا فتعديل الدستور غايته الأولى، كما يتضح من ”الاقتراحات”، تكييف بعض أحكامه مع حال الرئيس الصحية وحاله السياسية ومستلزماتها. ومن ثم فإن منطق تصرف الحكم القائم يكرس فقط انسدادا سياسيا ويعزز الاستبداد ويمنع أي تغيير بالوسائل السياسية القائمة.ما الذي يمكن أن ينقذ البلاد من منظومة الفساد والاستبداد وما هي الوسائل السياسية التي يمكنها أن تنتزع التغيير؟ واضح إما فعل سياسي إرادي من الساحة السياسية ومن السلطة أو فعل اجتماعي تلقائي يؤدي إلى إسقاط النظام وانهياره ويهدد الدولة واستقرارها. اليوم، ولأن السلطة ترفض التغيير الإرادي، يبدو الطريق الأمثل، مرحليا، هو التوقف عن العمل السياسي التقليدي من قبل كل الأحزاب التي تؤمن بالتغيير. وأن تتوقف مؤقتا عن أي عمل يعطي الانطباع بأن الوضع عادي وأن هناك حياة سياسية. ينبغي أن تُعزَل السلطة القائمة عزلا واضحا وأن تتم مقاطعتها سياسيا. هل ذلك ممكن؟ الأمر لا يحتاج إلى ندوة أو مؤتمر إنه في حاجة لإرادة سياسية واضحة وإعلانها بوضوح، خاصة أن تقييم الوضع يبدو أن حوله توافق. أحزاب السلطة معروفة والأحزاب الملحقة بالسلطة وعصبها غير مهمة إلا باعتبارها عنصر تعطيل وتخريب لأي إمكانية توافق بين باقي القوى السياسية.منظومة الاستبداد والفساد انتهت عمليا إلى انسداد سياسي واضح وإلى عطل مؤسساتي خطير وهي تمارس الهروب إلى الأمام. فهل تجاوزها سياسيا مازال ممكنا؟ في تاريخ نخبة الحركة الوطنية درس هام يمكن تمثله. لقد تمكنت هذه النخبة من إسقاط النظام الاستعماري، على الرغم من اختلاف آرائها السياسية واختلاف حتى طبيعة علاقتها بالسلطة الاستعمارية القائمة آنذاك، وانتهت إلى التوافق على الخروج من المنطق السياسي القائم ومن العمل السياسي التقليدي، أي نضال سياسي وانتخابات، لأن ذلك ثبت أنه مضيعة للوقت وأنه لا يحمل أي فائدة سياسية للجزائريين. الهدف كان واحدا وحيدا: الاستقلال، وذلك حقق أروع ثورات القرن العشرين عند البشرية جمعاء. فلماذا لا تفعل القوى السياسية اليوم بالأسلوب نفسه. وأن تضع لها هدفا واحدا، وهو اليوم التغيير، وتحدث حوله توافقا وتعمل على تحقيقه وصولا إلى وضع دستور توافقي يؤسس للجمهورية الثانية؟الأمر يبدو بسيطا وقد يتحقق يوما، لكن السلطة وأدوات التعطيل وفيروسات التعطيل التي نشرتها وتنشرها بانتظام مازالت فاعلة ومؤثرة في الكثير من مكونات الساحة السياسية. الجزائر مريضة اليوم بالاستبداد وأطماعه ورداءته ومغامراته، فأين الدواء الشافي؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات