+ -

يفيد تاريخ الشعوب والحضارات وفقا لنظريات الدورات التي طورها أرنولد توينبي وأوزفالد شبينغلر وقبلهما عبد الرحمن ابن خلدون، أن انهيار الدول والإمبراطوريات، إنما يبدأ من عاملين هما انفراط عقد الثقة والتلاحم بين الرعية والحاكم، وضعف الجبهة الداخلية نتيجة إجراءات قمعية وتعسفية سواء كانت على شكل ضرائب أو تمييز طبقي وفئوي، نتجت عنه صراعات بين مراكز القوى والزمر على السلطة والحكم الذي يختزل في اقتسام المزايا مقابل تهميش الفئة الغالبة من الشعب.

هذه العوامل هي التي ساهمت في تحضير الجو المناسب لانكسار الدول التي بلغت أوج قوتها أو إلى ما يعرف بالامتداد الزائد وفق المفهوم الذي طوره أستاذ جامعة يال بول كيندي، والقابلية للاستعمار الذي صاغه مالك بن نبي، وقد أخطأ تيار الجمهوريين الجدد، منذ اعتمادها من قبل مفكريها الأوائل إيرفينغ كريستول ونورمان بودهوريتز التقدير، حينما اعتمدا في تطبيقها سياسيا من قبل ريغان، وبوش الابن على حتمية القوة كوسيلة لتطويع الشعوب المناوئة وعلى جدلية الخير والشر الذي طبقته الأنظمة في حق شعوبها فيما بعد، حيث بينت التجربة على أساس قواعد الفيزياء أن لكل فعل رد فعل مساويا له في القوة ومناقضا له في الاتجاه، وحينما تجد الأنظمة نفسها أمام خيار وحيد هو عسكرة مجتمعاتها، ظنا منها أنه سيقيها من عدوانية المحيط الخارجي وثورات الداخل، فإنها في الواقع تنتج بذور فنائها أو بداية نهائيتها، وبدلا من تحصين جبهتها الداخلية بكسب ثقة شعوبها، وصون كرامتهم وحقوقهم، فإنها تلجأ إلى ما يعتبره المناطقة السهل الممتنع ويختزلون الأمور في القوة القصرية، لإطالة أمد الحكم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات