+ -

 مرة أخرى تجد الجزائر نفسها في مفترق طرق خطير. إنتاج المحروقات يتهاوى بشكل مخيف والملايير التي صرفت في السنوات الأخيرة لم تجلب النهضة الموعودة. بينما السلطة الغارقة في شبق انتصارها الوهمي في 17 أفريل، لا تزال تعيش حالة من “الإنكار” لوجود خطر يترصد الجزائر، فتستمر في سياسة البذخ والتبذير.كثير من الساسة في بلادنا يقولون إن حل الأزمة سياسي بالدرجة الأولى، لكن سلوك السلطة في الجزائر يظهر أن علاجها يتجاوز ذلك بكثير. إنها تحتاج لعلاج نفسي عميق يزيل ما بها من آثار عصبية خطيرة. “الإنكار” حالة مرضية لا تصلح معها العلوم السياسية بقدر ما تصلح معها نظريات علم النفس.لست من هواة التفسير المادي للتاريخ، لكن استقراء ماضي الجزائر القريب يظهر أن الأزمات السياسية والمجتمعية التي حاقت بالبلاد، سبقتها فترات من الفاقة الشديدة. فأزمة 1988 جاءت بعد انخفاض سعر البرميل إلى أدنى مستوياته، واستمر الحال على الحال إلى غاية انفراج هذا الضيق في 2001، فاستتب الأمن بقدرة قادر وتحققت المصالحة !الواقع يقول إن البلاد اليوم مقبلة على شح شديد في مواردها المالية. يكفي أن نذكر أن إنتاج المحروقات انخفض بـ 10 بالمائة بين 2013 و2012 وقبل ذلك انخفض بـ25 بالمائة بين 2006 و2011. لكن الحكومة دون أدنى رشادة مفترضة في من يقوم على الشأن العام، تعمى عن كل تلك الأرقام وتسير بالبلاد في مخطط إنفاق جنوني يهدد مستقبل أجيالها الحالية فضلا عن القادمة.النفقات العمومية وفق الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول انتقلت من 45 بالمائة في 2011 إلى 50 بالمائة في 2012 من الناتج المحلي الخام. في حين أن هذه النسب لا تتجاوز 27 بالمائة في المغرب و26 بالمائة في تونس في سنة 2011. ورغم ذلك لا تزال حكومتنا تشتري “الزبانية الجدد” على شاكلة رمي أكياس النقود من ملوك الخلافة إلى شعراء البلاط.مفزع حقا هذا السلوك: بدل أن تسهل السلطة قيام مصانع جديدة واستثمارات عملية.. تريد ولايات جديدة ودوائر كثيرة، بدل أن تسعى لاستحداث مناصب عمل منتجة تريد مزيدا من المناصب الإدارية.. بدل محاربة البيروقراطية تريد مزيدا من البيروقراطية.شيء من البومدينية أرجوكم.. صحيح أن هذا الرجل لم يعد ينتمي لعصرنا لكنه رغم كل ما يقال عن فترته كان حكيما في تسيير البلاد، فقد منع استعمال أموال البترول في ميزانية التسيير في الدولة وحصرها فقط على ميزانية التجهيز وبناء المصانع وتطوير المؤسسات العمومية.نعلم أن دستوركم القادم لن يجلب الديمقراطية ولن يحقق التداول على السلطة، إذ كيف لمن “عفس ورفس” هذا المبدأ أن يقيمه من جديد؟ لكم الحكم، ابقوا فيه ما تشاؤون، لكن دعوا للأجيال القادمة فقط ما تأكل، لا تعيدوا لهم ذلك الزمن البائس الكئيب الرهيب المفزع.. اتركوا لهم فقط الحق في الحياة وهم قادرون على ملئها بما فشلتم فيه.نعم لوضع “القاعدة الذهبية” التي استحدثها بومدين في الدستور الجديد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات