مازال الكثير من الكلام والجدل العقيم يثار حول الدستور المغتال، وتصميم السلطة على إحيائه من جديد عن طريق ما يسمى “التعديل” وإعادة إخراجه في طبعة جديدة تحت اسم “الدستور التوافقي”.وحتى يظهر للجميع بأن السلطة جادة في مسعاها، فقد رمت للمعارضة والمجتمع المدني مجموعة من المواد الجديدة، وأخرى معدلة عن طريق إضافة فقرات وإلغاء أخرى، ضمن ما سمي “مسودة تعديل الدستور” (معاهدة كردون) تاركة بعضهم يموج في بعض. فهذه المنظمة تندد بالمادة 73، وهذا التنظيم يشكو من عدم وضوح المادة 100، وهناك من يشكك في جدوى توسيع المجلس الدستوري مادام أن تعيين ثلثه من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يعيّن بدوره رئيس هذا المجلس ونائبه، غير أن هذه المعارضة المنشغلة حاليا بترصد تحركات بعضها البعض ومحاولتها فرض منطقها، ليس على السلطة، وإنما على المعارضة نفسها، وكان الأولى للمجتمع المدني بتنظيماته غير السياسية، والمعارضة بكل أشكالها وفعالياتها أن تطالب أولا وأخيرا بضرورة دسترة مادة تمنع “عفس” الدستور، وأن تكون هذه الوثيقة فوق كل هيئة أو شخص مهما كانت وظيفته ورتبته، وإلا فما جدوى إضافة مواد أو حذف أخرى، والكل يعلم ما حدث مع المواد 88 و77 و79 في الدستور الحالي؟ وهل يكفي أن نعيد غلق الترشح للرئاسيات مستقبلا وحصرها في عهدتين فقط ونحن نعلم أنه لا يمكننا تقييد الرئيس سواء الحالي أو القادم ومنعه من فتح العهدات مرة أخرى مثلما جرى سنة 2008؟ وهل دستورنا الحالي أو الذي سيعدّل سيكون فعلا فوق رئيس الجمهورية؟ وما هو الضمان الذي سيحفظ لهذا الدستور حقوقه وسلطته مادام أن القائمين على خدمته لا يتحركون إلا بإشارة من الرئيس، وأن السلطة القضائية مازالت خادمة للسلطة التنفيذية، هذه السلطة التي لا تسمح أبدا للمعارضة أن تكون غالبة ضمن تركيبة السلطة التشريعية، وهي الوحيدة القادرة على نصرة الدستور وحمايته من “العفس”، الذي سيظل متواصلا، مادام هذا النظام قائما ومادامت المعارضة غافلة عن أن قوة الدستور في تقديسه واحترامه، وليس في تعديله ثم اغتياله.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات