سار موسى بزوجته قاصدًا مصر، وفي أثناء رحلته ضلّ طريقه، وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلًا بين شعاب وجبال، في برد وشتاء، وسحاب وظلام وضباب، وجعل يقدح بزند معه ليشعل نارًا، كما جرت له العادة به، فجعل لا يقدح شيئًا، ولا يخرج منه شرر ولا شيء.فبينا هو كذلك، إذ ظهر له من جانب جبل الطور نارًا، فاستبشر بخير، وأخبر زوجته بما رآى، ولمّا قصد إلى النّار سمع نداء يخاطبه {إنَّنِي أنَا اللّه لَا إلَهَ إلَّا أنَا فَاعْبُدْنِي} طه:14. ثمّ جاءه نداء ثان يطلب منه أن يلقي عصاه الّتي يستعين بها في سفره، فلمّا ألقاها انقلبت العَصا ثعبانًا يتحرَّك بسرعة، ويضطرب في حركته، فما كان من موسى إلّا أن ولّى هارِبًا من هول الموقف، ولم يلتفت إلى شيء. ثمّ جاءه نداء ثالث يطلب منه أن يعود إلى مكانه الّذي فرَّ منه، ويخبره أنّه ليس ثمّة ما يُخاف، وأنّه آمن بأمان اللّه. ثمّ جاءه نداء رابع يطلب منه أن يُدْخل يده في ثوبه تخرج بيضاء من غير مرض أو عيب، وطمئنه أن لا خوف عليه ولا فزع، بل هو في حفظ اللّه وكنفه.ثمّ أتاه نداء يخبره أنّ اللّه سبحانه زوّده بهاتين المعجزتين لتكونَا له برهانًا على صدق ما جاء به، ويحاجج بهما فرعون ومَن سار على دربه ونهج نهجه. وتضمّن النّداء أمرًا لموسى بالذّهاب إلى فرعون، ودعوته للخضوع والإذعان للّه ربّ العالمين. وهنا تذكّر موسى ما كان بينه وبين فرعون من عداوة، فقال: {رَبِّ إنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أنْ يَقْتُلُون} القصص:33، فاستجاب موسى لأمر ربِّه، واستدعى أخاه هارون طلبًا منه مرافقته في سفره، ومن أجل دعوة فرعون إلى الحقّ؛ وليأمراه بإخلاص العبادة للّه.لمّا جاء موسى وهارون فرعون، وأبلغاه رسالة ربّهما، ما كان من الأخير إلّا أن أنكر دعوى موسى وهارون، وأعرض عنهما، بل فعل أكثر من ذلك، فأخبر أتباعه وأنصاره أنه لا إله سواه! وقد قابل قوم فرعون هذا الهراء والهذيان بالسّكوت والتّسليم، شأن الجهلاء الجبناء.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات