+ -

 واو الجماعة من ضمائر الرفع المتصلة بالفعل، وله محل في مدينة الإعراب على خلاف تاء التأنيث الساكنة التي وجدت نفسها تناضل طوال حياتها، ومع ذلك لم تحصل على مأوى يعينها على مواصلة حياتها البائسة بكرامة، فخرجت في نهاية المطاف من الباب الضيق، لأن الفاعل لم يكن مقتنعا بوجودها في محل يحتاج إلى جماعة تسهر على حفظه وصيانته وحمايته من كل المخاطر التي باتت تهدد مستقبله، وقد أثبتت هذه الجماعة حبها للفاعل الذي بقي متربعا على عرش المدينة.واو الجماعة، كما يدل عليه اسمه في مدينة الإعراب، هو مجموعة من فرسان القبيلة قررت أن تدافع عن هيبة الفاعل تحت راية واحدة، ولم تكن تجمعها في هذه المعركة الحامية الوطيس سوى المصلحة التي تعني في عرف هذه المدرسة الكوفية الحفاظ على رأسها مرفوعا أبد الدهر، ولو شقت هذه الجماعة عصا الطاعة على فاعلها لكان مصيرها أشبه بتاء التأنيث الساكنة التي لم تعرف كيف تكسب ود الفاعل الذي غضب عليها عندما أرادت أن تنافسه على الزعامة، وهي لا تملك من الجاه والسلطة ما يجعلها قادرة على مواجهة طوفانه الجارف.لقد اختار فرسان القبيلة واو الجماعة عنوانا لمحلهم في مدينة الإعراب، ولم يكونوا يؤمنون بنظرية الدخول إلى ساحة التنافس شذر مذر، لأنهم يعلمون بالفشل من غير التموقع في هذا المحل الذي بات يأوي إليه كل من خلعته قبيلته في زمن الصعلكة السياسية، التي تبناها كل شاعر منهم رأى في النجاة بنفسه خير وسيلة للخروج من حالة الفقر والضياع التي عاشها سنوات طويلة في هذه القبيلة التي لم تؤمن له مستقبلا سياسيا يواجه به نوائب الدهر.لقد جمع هذا المحل جماعة لا تحب غير هذا الفاعل الذي سمح لها بالاشتغال في محله كما تشاء، ولكن من غير التصرف في شؤونه، فهو قادر على ضبط أموره بالطريقة التي تناسب مزاجه في مدينة الإعراب، لأنها إذا حاولت اللعب بذيلها سوف تجد نفسها خارج هذه المدينة، ومن ثم لا تجد من يجيرها من قبائلها التي تبرأت من ذمتها بعد أن غيرت لونها السياسي.كان على تاء التأنيث الساكنة أن تنضم إلى واو الجماعة، وتعلن ولاءها لهذا الفاعل، لعلها بهذا التصرف الحكيم كانت تنال رضاه، وتحظى بمحل يحفظ مكانتها بين زميلاتها من الضمائر التي لم تشأ أن ترفع رأسها في حضرة سيدها الفاعل الذي ما فتئ يرفعها حينا ويحطها حينا آخر، ومع ذلك لم تفكر إطلاقا في عصيانه. وما دام سيبويه قد وضع لمدينة الإعراب دستورا يناسب لونها الكوفي، فلا مجال للحديث عن هذا الحراك النحوي الذي ولد ميتا بعد أن حفظ أهل المدينة جميعا ألفية ابن مالك عن ظهر قلب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات