بعد المناورة التي أدخلت سورية وشعب سورية في دوامة الحرب الأهلية التدميرية، وبعد إزالة العراق كدولة وطنية وجعله أرضا بورا، وبعد سحق الجمهورية الليبية سحقا رهيبا، الآن جاء دور مصر مع تكوين الجيش المصري الحر المتمركز على الحدود مع ليبيا، خاصة ونحن لا ننسى أن أول البلدان التي ضربت ضربا وحشيا وهمجيا هي الجزائر من خلال العشرية الحمراء 1990/2000.فوجود هذا ”الجيش المصري” وهو عنصر لا مناص منه وهو متموقع على أرضية الواقع رغم تكذيب وزير الدفاع المصري الذي صرح إن كل ما يتردد عن إنشاء الجيش المصري الحر، كما يحدث في سوريا، مجرد إشاعات ليس لها أساس من الصحة، فالأمن المصري والقوات المسلحة أكبر من هذه التهديدات ” خاصة وأن نفس التصريح قام به وزير الدفاع السوري قبل ثلاث سنوات بالنسبة لما سماه الغرب آنذاك بالجيش السوري الحر”.أما إسرائيل صديقة مصر الغالية والعزيزة، فلا تتوانى عن الترحيب بكل هذه المشاكل المزروعة (كاللغم) تحت أقدام الشعوب العربية، ولا تتوانى عن إثارة النعرات، خاصة وأن هذه الوضعية التي تخندق فيها العالم العربي بدوله الكثيرة ومجتمعاته المتعاقبة وجيوشه الضخمة، متنامية ومتعششة منذ أكثر من نصف قرنǃ وكأن هذه الأمة تجهل (أو تتجاهل؟) النمطية التاريخية، فتطمس القوانين والتحديدات والأعراف التي يقوم عليها التحليل التاريخي في كل مكان وكل زمان.وعندها، أي من خلال هذا التحديد للتاريخ، يمكن إنجاز تحليل موضوعي للتاريخ. لكن هل هذا ممكن؟ والحال أن الجواب يبقى إيجابيا رغم كل العقبات والمسالك الوعرة التي يجب اجتيازها حتى نصل إلى نتيجة ما، والحال أنه إذا كان النسق غير متحرك وغير متغيّر وغير متقلّب، بل ثابتا نسبيا ومستقرا بعض الشيء، فمن الممكن إنجاز تحليل لتعدد وتعاقب وتحول المجتمعات في زمن معيّن ما. لأن النمط العلمي (وخاصة من خلال نظرية ابن خلدون) مبني –أساسا- على أن التاريخ هو نتيجة صراعات على جميع المستويات بين طبقات متضاربة ومتناقضة المصالح، اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية كانت، لكن شريطة أن ندرس هذه المجتمعات لا كتشكيلات تاريخية متغيّرة ومتقلبة (حسب المفهوم البنيوي للتاريخ، مثلا وكما مهّد له صاحب المقدمة من خلال عبقرية لم يعطها العالم والعلماء حقها كما ينبغي إلى يومنا هذا) فحسب، بل بالبحث أيضا عن العلة الطبقية التي وضعت جانبا منذ ”الليبرالية” المتعجرفة، لتغييرها وتحويلها بطريقة جذرية.وعلى عكس النظرية العلمية للتاريخ كنتاج إنساني محض، فإن البنيوية لا يمكن أن تطبّق على التاريخ إلا إذا جرى البحث عن العوامل التي تحتّم أن يظهر مجتمع ما ويستقر ثم يفقد استقراره ثم يتحول إلى شيء آخر (أي إلى مجتمع مغاير وهيولي، في الحقيقة) ضمن بنية هذا المجتمع ذاتها.فلهذه الأسباب الأساسية تعطّل (محرك التاريخ العربي منذ بضعة قرون وتواصل هذا العطب إلى يومنا هذا، فنجد أن العامل الأساسي الذي يربط بين كل الدول العربية هو عامل التخلف، أي عامل اللاإنتاج، ولهذا السبب بقي العرب كلهم يعيشون في المستنقعات السياسية وحتى الذهنية (تحجّر الفكر عند المواطن).فبعدما رأينا كيف سقطت مصر في كمين اقتصاد السوق هاهي الجزائر تسقط بدورها في نفس الكمين رويدا رويدا والكل يصفّق على ليلاه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات