لا تعارض النظام، إذا أردت أن تكون معارضة حقيقية وفاعلة في الجزائر، لأن هذه بالنسبة لخبراء السياسة و«اينشتاين” الفهامة في الجزائر موضة قديمة، إذ يرى السياسيون و«النخب” السياسية التي دجنتها مخابر النظام وروضتها، أن المعارضة الحقيقية والمرغوبة، هي تلك التي تعارض كل صوت يرتفع ضد النظام أو ينتقد النظام، أو يبحث عن حل جذري، لما آل إليه الوضع السياسي في الجزائر، وصورة الجزائر برئيس مريض لا يقوى على أداء اليمين الدستورية، خارج رؤية النظام ومصالح النظام ومن بعده الرئيس، ومن حول الرئيس وعشيرة الرئيس ودشرة الرئيس وبلدية الرئيس وأين صرخ الرئيس رضيعا أول مرة.. أجل فمصيبة الجزائر ليست فقط في نظامها، لكن ما أنتجه هذا النظام من نخب سياسية وثقافية وإعلامية تتبنى خطابا غريبا استغبائيا، لا ينظر إلا في حاضره غير مدركين لمخاطر الإصرار على هذا النهج مستقبلا، كمن يتحدث عن إصلاح الدستور وتدعيم المسار الديمقراطي في الجزائر مع عهدة فخامته الرابعة، مع العلم أن الجزائر تخلت عن المسار الديمقراطي منذ 1992. وما تم اختراعه بعدها خاصة مع ظهور الأحزاب “سريعة النمو.. كوكوت مينوت”، كانت مجرد ديكور لديمقراطية الواجهة، أحزاب السلطة وأحزاب موالية للسلطة وأحزاب تمسك العصا من الوسط وأحزاب مستفيدة من السلطة، وهذه هي ديمقراطية الواجهة، وهي غير ديمقراطية.. لكن “الموضة الجديدة” التي اخترعتها هذه النخب السياسية في الجزائر، خاصة منها الموالية للسلطة، هي الدفاع عن النظام ضد كل محاولة انتقاده أو الدعوة إلى تغييره من قبل أطراف أخرى، ترى أنها تحمل حلا يقود إلى تغيير حقيقي وجذري للوضع، أو تلك التي تمثل الأغلبية الصامتة والباحثة عن حل للوضع المتأزم الذي وصلت إليه الجزائر بسبب مرض الرئيس. فبعد الحملة التي قادتها لويزة حنون ضد كل من عارض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال الانتخابات، بل تفطن الجميع بعدها أن لويزة حنون لم تكن أرنبا بل طرفا مستقلا ومنشطا فاعلا لحملة الرئيس، نفس الحالة النفسية الغريبة والخطاب التهديدي تبناه عبد القادر بن صالح الأمين العام لـ«الأرندي”، الذي سُمي يوم ولادته “حزب كوكوت مينوت”، وفاز بالتشريعيات بعد أشهر من تأسيسه، وبنفس الطريقة التي تتم بها الانتخابات في الجزائر منذ 1992، يقدم نصائح ودروسا في الديمقراطية للمعارضة ويعتبر كل صوت خارج عن السرب هو تهديد للاستقرار المزعوم. ونفس الطرح يتقدم به كل الموالين والمساندين والمطبلين للرئيس هذه الأيام، بعد فتح مسألة النقاش حول تعديل الدستور وضرورة أن تتقبل المعارضة التي استفاقت متأخرة والأصوات الصامتة التي بدأت ترتفع، الدخول في نقاشات حول الدستور وأي صوت رافض لهذا فهو يبحث عن الفوضى أو التموقع.. أخيرا أصبحت للجزائر معارضة قوية وتعارض المعارضة التي بدأت تتضح معالمها شيئا فشيئا.. إنها مُعَارَضَة المُعَارَضَة، الاختراع الجزائري بامتياز.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات