نسأل دائما من تجاوز سن اللعب ومازال يلعب: ”ألم تلعب في صغرك؟” هذا السؤال ينطبق على ما يقوم به النظام حاليا، ومحاولاته إصلاح الدستور. تمر 50 سنة من الاستقلال، ولم يتعب هذا النظام من اللعب، أو في الواقع لم ينضج بعد ليتوقف عن اللعب، ويؤسس لدولة حقيقية لا تحكمها الأهواء، ولا الطموح، ولا الرغبات الفردية أو الجماعية، ولا تكون محل إصلاح جذري دائم مع كل مسؤول جديد، دون نتائج، ولا محل التجارب المستوردة من شرق وغرب المعمورة.. والسؤال الملح: هل الدستور الذي يسارع إليه النظام والزمرة الحاكمة اليوم، وهو مَزْهُوٌ بالدعوة إليه، أولوية بالنسبة للجزائريين البسطاء الذين لا يعرفون منه إلا المواد الأولى، المتعلقة باللغة العربية، والإسلام دين الدولة، والنشيد الوطني، ولمَ لم يكن كذلك قبل الانتخابات الرئاسية، إن لم يكن في الواقع أولوية لهذا النظام الذي يريد عن طريق هذا النقاش العقيم الذي فتحه، الهروب إلى الأمام من قضايا أساسية وإصلاحات مصيرية بالنسبة للشعب الجزائري، ويمدد عمر تسييره للأزمات حسب الوضع والظرف. وكما يقول المثل ”وين راهي وذنك؟” فيشير إلى الجهة الأخرى. إن البحث عن إصلاح الدستور، بينما كل القطاعات تعاني إلى درجة التعفن، يؤكد عجز هذا النظام عن وضع برنامج حقيقي لإصلاحات حقيقية، تمس حياة المواطن الجزائري البسيط الذي أنهكه الجري وراء مشاكله اليومية اللامتناهية، فهناك قطاعات تعتبر بالنسبة للمواطن أهم من تغيير مادة في الدستور، أو حتى اختيار الرئيس أو هوية نظام الحكم، أو أي الأحزاب لها الأغلبية في البرلمان، أو من يكون وزيرا.. لا يهم المواطن البسيط في أقصى الصحراء أو في أقصى الشرق والغرب، من يأتي ومن يذهب، إن بقي الوضع على حاله، فشل يتبعه فشل، وفساد ممتد كقمامات الأوساخ في كل مكان، المواطن لا يهمه الإصلاح إن بقيت المستشفيات تسير بـ”قدرة ربي”، والمدارس بـ”ربي يستر” كل سنة، والطرقات بـ”الله يرحم”، والعدالة بـ”ربي على الظالم”، والاقتصاد بـ”كثر خير أولاد عيسى”، والفلاحة بـ”صلاة الاستسقاء”، والصناعة بـ”ماشي كل الشعب ياكل الياغورت”، والجامعة بـ”المهم عندي ليسانس” والرياضة بـ”لولا الجمهور إلي شجعنا” ووووو..الخ. ما يهم الجزائري البسيط هو الإصلاح العميق الذي ينعكس على حياته اليومية في جزئياتها البسيطة، المتعلقة بالعيش الكريم، بمرضه وصحته، طموحه، سكنه، أبنائه، بيئته وخاصة عدالة الدولة. إن أهم إصلاح يمكن أن تباشره الدولة هو إصلاح العدالة، لأن العدالة هي أساس الدولة، العدالة في توزيع الثروة، العدالة في فض النزاعات، العدالة في فرص الحياة الكريمة.. تطالعنا الجرائد يوميا بمئات القضايا والنزاعات التي تعرفها المحاكم الجزائرية بمختلف اختصاصاتها، تمضي عليها سنوات ولم تجد طريقها إلى الحل، بل إن منها ما دخل في ميزان الميراث العائلي.. وقضايا أخرى تشتم منها رائحة التواطؤ، ورائحة الفساد، ورائحة الرشوة وكل أنواع الانحراف الأخلاقي، بعيدا عن عين الرقيب والحسيب، وكأن هذه السلطة القابعة على أنفاس ”الغلابة” تتعمد إبقاء المواطن البسيط في حالة سعي وجري دائم ليس وراء رزقه، بل وراء إثبات حقه في عدالة البشر. تبقى العدالة إحدى الحلقات المفقودة والمريضة في الجزائر، حيث يقف المرء مشدوها أمام نزاعات لا تتطلب إلا الصرامة في إصدار الأحكام أو في تطبيقها، لأن القانون واضح والأحكام واضحة، التطبيق فقط ”إلي ضربو العمى”.. ولكن يبقى إصلاح العدالة أملا بعيد المنال، مع نظام أيدته هذه العدالة المريضة، ووضعته على كرسي الحكم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات