هناك ما يوحي أن السلطة تعمل وكأن شيئا لم يكن، وكأن وضع الجزائر عادي وأن الرئيس والسلطة ليست مريضة وأن ”الانسداد” تم تجاوزه وكأن الجدل الذي دار قبل ”الرابعة” لم يحدث. عندما يعلن أن الرئيس بوتفليقة كلّف أحمد أويحي، مدير ديوانه، بإجراء اتصالات مع الأحزاب بخصوص تعديل الدستور، وهو ما يعني أن العملية ستتم بالطرق التي تعودت عليها السلطة، يتملكنا شعور أننا أمام المنطق نفسه وأن الرئاسة أو السلطة قد قررت تجاهل كل الرسائل التي أرسلت لها من أوساط سياسية اجتماعية مختلفة. ما هي الإشكالية المطروحة على البلاد اليوم؟ الإشكالية الحقيقية هي ضرورة إنهاء وجود هذا النظام لأنه لم يعد يقوم على أي شرعية، لا تاريخية ولا شعبية أكيدة، بل وصل حال عطل وصار يطرح مشاكل حادة، ليس على السلطة، بل على الدولة ويعرضها لمخاطر جمة. الشرعية اليوم لا يمكن أن تأتي، مرة أخرى، إلا من شرعية هدف من شرعية مسار. شرعية الثورة والاستقلال كانت لحظة مؤسسة، وأتصور أن بناء شرعية جديدة يبدأ من تحديد هدف، وهو واضح اليوم، التغيير وبناء الجمهورية الثانية، وحوله شبه إجماع أو توافق، يبدو أنه واسع. ولذلك أعتقد أن البداية ستكون مرة أخرى مشابهة لبداية نوفمبر، ولكن هذه المرة بوسائل سياسية شرعية ولغاية أخرى هي التغيير. ولكن منطق الحكم القائم لا يمكن أن يسمح بقيام شرعية أخرى تؤكد انعدام شرعيته, ولذلك لا يمكن انتظار شيء منه، لا تنازل ولا حكمة وأقل من ذلك إرادة تغيير. لهذا ينبغي التذكير أن الجزائر تعيش في الوقت نفسه عطلا سلطويا وانسدادا سياسيا، كما تعاني من غياب مؤسسات شرعية حقيقية. فالانتخابات الرئاسية الأخيرة إما أنها كانت ”تسوية داخلية ظرفية” أو أنها ”انتصار عصبة” وانفرادها بالحكم. ولهذا فهي جزء من الأزمة ولم تكن حلا ولا حتى جزءا من الحل. إن تعديل الدستور إن لم يسبقه بناء إجماع وطني جديد ولم يقم على توافق سياسي وطني واسع غايته الخروج من هذا النظام والوصول إلى تغيير حقيقي وتوافقي وآمن، فإنه لا معنى له. إنه مجرد تعبير عن تعنّت وهو مجرد دوران في حلقة مفرغة. المواقف الأولى المعبر عنها من قبل أطراف سياسية، تدفع للاعتقاد أن السلطة قد تجد نفسها وحيدة هي وأجهزتها السياسية، أو كيانات سياسية داعمة للرئيس وليس للسلطة، مثل حزب العمال. وهو ما يضطرها إما إلى ”الهروب إلى الأمام” بمزيد من الهيمنة والانفراد بالسلطة، وهو ما ظلت تكرره دائما، أو التوجه بقرار سياسي إلى إطلاق مسار سياسي جديد. إن الزهو والاعتزاز بـ ”القوة” وبالسلطة مجرد ”حماقات طفل صغير”، بتعبير برتراند راسل، وعندما يتعلق الأمر بوطن، فإن صم الآذان عن كل معطيات الواقع الداخلي والخارجي قد يجعل الأمر يصبح ”جريمة مكتملة الأركان”! ولكن المسؤولية مسؤولية من نسميهم معارضة أيضا، وفيهم من ظل لزمن طويل، مثل حمس، يزكي التزوير ويزكي الركود ويزكي حتى العبث بالدستور. والإشكالية عويصة عندما يميل التقدير إلى أن الساحة السياسية ”ملوثة” ومليئة بـ ”فيروسات” تعطيل وتعاني الفقر الفكري وقلة الإبداع السياسي، أو أنها، بعضها على الأقل، متواطئ أو مستعد للتواطؤ. ويبقى الأمل أن ما تبقّى من ضمائر حية داخل دواليب الدولة وفي الساحة السياسية، عليه أن ينظم هبّة سياسية وطنية وأن يضغط بكل ما توفّر لديه سياسيا ومعنويا من ثقل حتى لا يغرق الحكم القائم في غيّه وفي أوهامه وأطماعه في جعل الجزائر تحت هيمنته وفي خدمة مصالحه. الحكم القائم، لا يقيم وزنا لا للدستور ولا للشرعية ولا للجزائريين، وقد تحايل على الدستور في 2008 وعبث به وتحايل لانتزاع ”عهدة رابعة”، على الرغم من مخاطر ذلك على استقرار البلاد وحتى على كلفتها، خاصة ما يدفع لمكونات العُصبة من ريوع وللخارج من منافع لقاء سكوته، لهذا لا يمكن أن يؤتمن على ”قيادة” أي تغيير سياسي، لأن منطقه يتنافى مع كل تغيير يقلص من نفوذه ويعمل على تقييد كل المصالح بالقانون، وأقل من ذلك ائتمانه على أي عملية انتقال ديمقراطي. لا بد من بناء توافق سياسي وطني خارج منطق هذا الحكم وخارج هذا النظام ولو بمشاركته. وبالتالي ما طرحته الرئاسة لا حدث لأنه استمرار لمنطق فاسد، ولا يصلح الظل والعود أعوج.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات