كلما دفعتني الأيام والظروف إلى زوايا انعدام اليقين وكلما كثرت المناورات وكلما اعتقدت، عن صواب أو خطأ، أن الزمن هو زمان الحسم والقرار، وأن الزمن زمن الاختيار تذكرت هذه الكلمات لجبران خليل جبران. إنه يقول: ”..لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك، النصف هو أن تصل وأن لا تصل، أن تعمل وأن لا تعمل، أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت. النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه!!..نصف شربة لن تروي ضمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة.. النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان. أنت إنسان.. وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة!!..”قد يقول الكثير من ”الواقعيين” هذه مثاليات في زمن قليل المُثل وقليل الحكمة وقليل الحب وقليل الحقيقة وقليل الصدق.. زمن أخرجنا فيه الحكم القائم من التاريخ ومن الجغرافيا وأخرجنا من الوطنية إلى اللاوطنية بل ويدفعنا إلى الجهوية والطائفية وإلى السكوت على الفساد وعلى الظلم والاستبداد..فما قيمة الحكمة في زمن الطغيان وما قيمة العقل في زمن الوهم والشعوذة السياسية وفي زمن اغتيال كل ما هو جميل في إنسانية الإنسان وكل ما هو جميل في مجتمع الإنسان..نحن اليوم أمام هيمنة وحكم عصب النفوذ والمال الفاسد المنهوب من أفواه الفقراء ومن أفواه القصر والمعوزين ومن أفواه ملايين الجزائريين الذين تفرض عليهم المهانة والذل والطغيان.. نحن اليوم أمام دولة اللادولة دولة اللاقانون، دولة العائلة والجماعة ودولة الجهة ودولة المناورة ودولة كل شيء مسروق، الدستور والشرعية والمال والجاه.. نحن نعيش زمن أوهام القوة الغاشمة المدمرة لكل ما هو جميل في بلد المليون ونصف المليون شهيد في بلد إحدى أعظم ثورات البشرية على طغاتها..نعم، ثورتنا كانت ثورة عظيمة ولكنها توقفت في منتصف الطريق فجعلت استقلالنا ربع استقلال أو أقل ودولتنا بقايا دولة كولونيالية .. وجعلت أنصاف الوطنيين ورثة الثوار والمجاهدين وجعلت أنصاف الموهوبين مهيمنين وجعلت عديمي الأخلاق مسيطرين وجعلت حتى أنصاف المواطنين، بجنسيتهم وبمشاعرهم، سادة وقادة، لأن ولاء هؤلاء الأنصاف لوطنين.. وطن للفساد والإفساد وآخر للقانون ومتعة الحياة.. يقال إن هؤلاء كثر ومؤثرون ولا شيء نعرف عنهم.. بل وهم قادرون على جعلنا لا نعرف..اليوم نحن بلد بلا قيادة ونحن أمام بعض من السياسة، كثيرها فاسد، وبعض الساسة، كثيرهم عاجز، وكثير من السلطة وكثير من القوة بلا رؤية وبعض من القانون ومن الدستور وقليل قليل من المؤسسات وبعض من الانتخابات وكثير من الزور والتزوير وكثير من الكذب وكثير من النهب وكثير من الفساد وكثير من الأمراض وقليل قليل من الذكاء ومن حب الوطن ومن حب الناس .. إنه زمن عمي القلوب وزمن نشر الضغائن والأحقاد السلطوية والأحقاد بين أبناء الوطن وحكامه وبين أبناء الوطن وبين جهاته وبين مكوناته..إنه زمن الرداءة وزمن القوة الفاسدة والفكرة الغائبة.. زمن لا تعني فيه الكلمات معانيها.. فكثيرا ما يأتي الحديث عن انتخابات وهي تعني السطو الملفق بلا خجل على أصوات الناس وعلى أحلام الناس.. وكثيرا ما يأتي الحديث عن إصلاح وهو مجرد تأجيل للإصلاح ومجرد تغطية على مواصلة النهب والإفساد وكثيرا ما يأتي الحديث عن الاستقرار وهو لا يعني إلا فرصا أخرى للتسلط واستكمال أوهام لا متناهية للهيمنة وبسط رغبات شبقة للسلطة والجاه. إنه زمن الأوهام وزمن اللاقرار وزمن الانتظار وزمن فجر الفجار وزمن ”الكونتينر” والدولار زمن المرض والسبيطار وزمن دولة ”الكرسي المتحرك” لسنا ندري في أي اتجاه؟!!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات