دفع تعامل أردوغان مع ”تويتر” بالباحث الموريتاني السيد ولد أباه إلى التأكيد أن عصر الزعيم السياسي قد ولّى. وبهذا يلتقي مع الناقد السعودي عبد الله الغذامي في تأكيده على سقوط النخبة، الذي يربطه بظهور الصورة وانتشار ”الثقافة التلفزيونية”. وإن كان ولد أباه لم يقرن نهاية الزعماء السياسيين بمواقع الشبكات الاجتماعية، إلا أنه أولى أهمية كبرى لاستخدامها. لقد رأى أن السردية الوطنية والقومية لم تعد حكرا على الزعيم السياسي، على غرار ديغول، وتشرشل، ونهرو، الناطقين باسم الأمة والشعب، بل تشتتت في عصر ثورة الاتصال. ولم يغد بالإمكان التحكم فيها، رغم أن حكام اليوم يخصصون جل وقتهم وجهدهم للتواصل والكلام. ليس هذا فحسب، بل يرى هذا الباحث أن بعض الحكام غادروا الحكم منهكين ضعفاء، وملاحقين قضائياً وسياسياً. لقد كانوا موضوع غيرة فأضحوا مثار شفقة.يصعب الحديث، اليوم، عن الزعامة السياسية في عالم يزداد تعقدا وتتداخل فيه المصالح، وينفلت اتخاذ القرار الوطني أو الدولي من يد الشخص أو الدولة الواحدة وتتوارى فيه الأحلام والمشاريع الكبرى. عالم تتبدد فيه كل الأوهام. لكن هذا لا يعني أبدا نكران مساهمة مواقع الشبكات الاجتماعية في صياغة هذا العالم، فما قاله المفكر الكندي ”هارولد أنيس” في الستينيات من القرن الماضي عن وسائل الاتصال الجماهيري ينطبق على هذه المواقع. لقد أكد أن ميلاد وسيلة إعلام جديدة يؤجج الصراع على مستويات عدة من أجل الحق في الوصول إلى المعرفة والمعنى.يمتلك مستخدمو هذه الشبكات الكثير من الفضول وأدوات التدخل السريع لنشر الأخبار والتعاليق والنقد ما يضفي المزيد من الشفافية على الحياة العامة، المزيد الذي يُهدد وجود السر في الممارسة السياسية ويعيق إدارة السلطة. وتتمتع مواقع الشبكات الاجتماعية بالسرعة والمرونة، وتمزج بين ما هو شخصي وما هو مرتبط بالشأن العام، فتجعل السياسي الراغب في أن يكون مرئيا أكثر عرضة للتجرد مما كان يشكل هيبته، فتتغير نظرة الناخبين له. وهذا الأمر يقلق السياسيين ورجال الحكم، وقد يربك بعضهم. فرئيس الحكومة التركية، مثلا، ضاق ذرعا بموقعي شبكة ”تويتر” و«اليوتيوب” فحظر استخدامهما. فالتف الأتراك، بسرعة، على هذا الحظر بالحيل التقنية التي يصعب على الدولة التحكم فيها. فأدى هذا المنع إلى نتائج عكسية، حيث قفز عدد مستخدمي موقع شبكة ”تويتر” في تركيا من 4.5 مليون مستخدم قبل الحظر إلى 6 ملايين مستخدم في اليوم الأول الذي تلاه! وبالمقابل، حاول الكثير من السياسيين الاستفادة من هذه المواقع لتلميع صورهم، ومنهم الرئيس الأمريكي الذي استخدمها بذكاء لصالحه، لذا يُعتقد أنها خدمته وأبقته في سدة الرئاسة لعهدة ثانية. لقد أوكل إدارة علاقته عبر مواقع الشبكات الاجتماعية إلى فريق من المختصين بقيادة شريس هيوغ، الشريك في تأسيس موقع ”الفيس بوك”، فمكنه من الحضور في 15 موقعا من مواقع الشبكات الاجتماعية، بما فيها تلك المواقع الخاصة بالأقليات العرقية أو الموجهة إلى شرائح محدودة من مستخدمي شبكة الأنترنت في الولايات المتحدة، بغية التواصل مع مختلف مكونات المجتمع الأمريكي، فكسب 34 مليون صديق في الولايات المتحدة الأمريكية عبر موقع شبكة ”الفيس بوك”؛ أي أكثر من عدد الناخبين الأمريكيين، وأكثر من 22 مليون متابع في موقع شبكة ”تويتر”، وحوالي مليوني مشترك في حسابه في شبكة ”أنستغرام”. لقد ركز الفريق المذكور جهده من أجل جعل باراك أوباما قريبا من الناس العاديين، وإبرازه كشخص عادي، مثل أي رب أسرة أمريكية. ولكن ضريبة هذا القرب مكلفة، إذ تنزع هالة التقديس التي تحيط، عادة، بالزعماء، وغايته هي الحصول على شعبية واسعة، وهذا ما يسعى إليه نجوم الفن والغناء والرياضة والموضة. فالغاية ذاتها دفعت المغنية الأمريكية ”ليدي غاغا” المثيرة للجدل، إلى الاستثمار في مواقع الشبكات الاجتماعية، وتفوقت على الرئيس الأمريكي بعدد أصدقائها الافتراضيين. لقد كسبت، في السنة الماضية، 50 مليون صديق في موقع شبكة ”الفيس بوك”، و18 مليون متابع على موقع شبكة ”تويتر”. بمعنى أنها أضافت صديقين جديدين في كل ثانية لحسابها في موقع ”الفيس بوك”؛ أي أن ما يعادل 7% من مستخدمي هذا الموقع هم من معجبيها! وربما يوجد غيرها من أهل الفن من يزاحمها في هذا المجال. هل أصبح رجال السياسة ينافسون ”ليدي غاغا” وغيرها من نجوم الفن في عدد الأصدقاء الافتراضيين؟ أتمنى ألا يحذو السياسيون حذو نجوم الفن الذين يبذلون قصارى جهدهم لتحقيق الشهرة، وحين يبلغونها يقضون بقية حياتهم مختفين وراء نظاراتهم السوداء حتى لا يتعرف عليهم الناس في الأماكن العامة!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات