كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن عمليات خرق الدستور وعفسه و«مرمدته” وكأن القضية جديدة بالنسبة لنا، رغم أن الكل يعلم بأن هذا الدستور المسكين وفي مشهد كاريكاتوري اعتقل منذ سنين، وتقرر استباحة استقلال قضائه عن طريق “مليشيات محاكم الليل”، وحصر عمل الهيئة التنفيذية في التهليل والتكبير لصاحب الفخامة. وحتى منصب رئيس الحكومة قيّدت مهامه وحوصرت صلاحياته، ليفقد في بادئ الأمر حق النزول إلى الولايات والاحتكاك بالمواطنين، قبل أن تختزل هذه الرئاسة في وزارة أولى، فلا “رئيس” في الجمهورية إلا فخامته. وتم اغتصاب السلطة التشريعية بتهميش منتخبيها وحصر دورهم في الإبقاء على أياديهم مرفوعة، ولو في حال الشخير، وتنازلوا عن حقهم لصالح فخامته عن طريق التشريع بالأوامر، فخنقت الحريات وتراجعت الديمقراطية، وعمّ الفساد وانتشرت السرقة والرشوة. وبعد أن ذاق هذا الدستور كل أنواع العذاب تقرر إعدامه سنة 2008. وحتى يكون القرار صادرا باسم الشعب، فقد منح البرلمانيون شرف التوقيع على شهادة الوفاة، مقابل دراهم معدودة “وكانوا فيه من الزاهدين”، فاتحين عدد العهدات الرئاسية، ليمنحوا بذلك “طويل العمر” حق البقاء في الحكم إلى الوفاة. وحتى حماة هذا الدستور من أفراد مجلسه تحوّلوا إلى “زبانية” لا يعصون سيدهم و«يفعلون ما يؤمرون”، فأصمّوا آذانهم وأغمضوا أعينهم فلم يعودوا يرون “المجزرة” التي ارتكبت في حقه أو يسمعون أنينه وهو يلفظ آخر أنفاسه، ولسان حاله يردد “إني أخشى عليكم أن تحين وفاتي”، فهل بقي لنا الآن أن نبكي على أشلاء هذا الدستور، لأن المادة 88 لم تطبّق؟ أو نتساءل عن مصير المادة 79، أو نستشهد بالمادة 77؟!باللّه عليكم؛ هل سيضرّ الدستور “المغتال” عملية سلخه بعد ذبحه؟ كان الأجدر بكل هذه المعارضة التي تحاول الآن تجميع شتاتها وشحن مناضليها، والعمل في الوقت بدل الضائع، أن تتحرك يوم أن صدر قرار “الاعتقال” قبل الإعدام؛ ساعتها كان يمكن أن ننقذ كيان الجمهورية الذي تهاوى أمام هيمنة الجماعة والجهوية، وكان يمكن أن نحفظ الديمقراطية من هجمات وغارات مليشيات دعاة الزعامة والأحادية. ولا تتعجبوا إن صحونا يوما على قرار تحويل دولة الجزائر إلى قبيلة الجزائر العظمى، وعندها سنكتشف بأن الزعيم الراحل معمر القذافي كان فعلا صاحب نظرية حكم هي الوحيدة والفريدة التي تليق لتسود العرب خارج الأنظمة الملكية[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات