هل يعلم الجزائريون أن تلاميذ الثانويات امتحنوا على درسين فقط خلال الفصل الثاني الذي يمتد لثلاثة أشهر؟ هذه الحقيقة التي تكاد تنفجر من هول سماعها الآذان، قد تكون أحسن دليل على سياسة ”تدمير” الإنسان الجزائري التي جرى تطبيقها في السنوات الماضية، ولنا أن نتصور أي مستقبل ينتظر الجزائر بفتات العلم الذي يملأ عقول رجالها المنتظرين.ليس استعمال الفعل ”دمر” في وصف ما جرى للتلميذ الجزائري مبالغا فيه، إذ يكفي تذكر جريمة البكالوريا السياسية التي كان بطلها الوزير المعمر السابق، أبو بكر بن بوزيد، للوقوف على مأساة بلد لم يتورع مسؤولوه في أن يرهنوا مصير شعب بأكمله من أجل إيهام الناس بأن إصلاحاتهم المزعومة قد أعطت ثمارها.بعبارة أكثر إيلاما، استعمل التلميذ الجزائري كدرع لإظهار إنجازات من ورق لحكومات بوتفليقة المتعاقبة، رغم ما لذلك من آثار كارثية على مستقبله ومستقبل البلاد والعباد معه. هذه هي الحصيلة المخيفة التي اجتهد وكلاء الرئيس في إخفائها بلغة الأرقام التي لم تعد تنطلي على أحد، ولم يقابلها من الطرف الآخر الذي يدعي المعارضة أي مساءلة أو كشف للحقيقة.لقد تسببت سياسة ”الشهادة للجميع” التي انتهجتها الحكومات المتتالية، في وأد ”الفوارق المحمودة” بين الجزائريين، كسولهم ومجتهدهم، فغضب الأوائل وقرروا الهجرة من البلاد إلى آفاق أرحب تعترف لهم بالكفاءة، ما أدى إلى ازدياد ظاهرة هجرة الأدمغة في السنوات الأخيرة، أما الفئة الثانية فصارت تتحكم في مراكز المسؤولية كتكريس لتفوق الرداءة. ولم تخرج سياسة التعليم في كل ذلك، عن ثقافة الريع، التي تريد تحويل الجزائريين إلى مواطنين كسولين يبحثون فقط عن إشباع حاجاتهم التي حرموا منها طويلا، ويتركوا أمر تدبير شؤونهم ومستقبلهم إلى المتحكم في الثروة يوزعها عليهم مثلما يشاء.إن اعتماد برنامج دراسي متخلف يتخرج من خلاله شباب غير قادر على الإبداع أو التفكير المقاولاتي، يكتفي فقط بالبحث عن عمل داخل مكتب يضمن منه قوته اليومي، جعل من حجم العمالة في القطاع العام يتضاعف، في مقابل ضعف نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وهنا يتضح للجميع سبب إقبال شباب لونساج على المشاريع السهلة التي تهدف إلى الاغتناء بسرعة دون توظيف عقل أو جهد، وهي في أغلبها مشاريع تغيب عنها الروح الإبداعية ومحكومة بالظرفية التي ولدتها الطفرة النفطية.ما يثير الغرابة حقا خلال السنوات الماضية التي صاحبتها الطفرة النفطية والوفرة المالية، أن الجزائر أصبحت سوقا كبرى، تُفرغ فيها شتى أنواع السلع والخدمات من كل بقاع العالم، لكنها تمنعت عن استقبال شيء واحد فقط حصنت أمامه الحدود، وشددت من حوله التشريعات: اسمه العلم.وإذا صدقنا البعض في مخاوفهم من مجيء الشركات الأجنبية إلى الجزائر بحكم أنها تقوم بتحويل أرباحها بالعملة الصعبة إلى الخارج، رغم سخافة هذا التبرير، فهل يوجد عاقل يصد جامعات مثل كامبردج أو السوربون أو ”أم آي تي” عن بلاده. وما السبب في كوننا البلد الوحيد في العالم تقريبا الذي لا توجد على أرضه جامعات عالمية أو خاصة.ينبغي أن نتوقف عن التباهي ببناء جامعة في كل ولاية .. ما دام الواقع يكشف أننا لم ننجح في بناء متعلمين[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات