كذلك يضرب اللّه الحق والباطل

+ -

 قال اللّه تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّه الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّه الْأَمْثَالَ} الرّعد:14. تُبيِّن هذه الآية الكريمة في جملتها أنّ الّذي يصحّ ويبقى في هذه الحياة، وينتفع به النّاس غاية الانتفاع إنّما هو الحقّ. وبالمقابل فإنّ كلّ ما كان خلاف ذلك من أنواع الباطل لا وزن له ولا قيمة ولا اعتبار، وسرعان ما يزول ويضمحل.تضمّنَت هذه الآية مثلين حسيَّين، يُراد منهما إيصال فكرة واحدة، مفادها أنّ الحقّ هو المنتصر في النّهاية، وهو صاحب الكلمة الفصل في معركة الحياة، وأنّ الباطل هو الخاسر والمنهزم في المحصّلة؛ فالمثل الأول وهو قوله تعالى {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا} مضروب للماء الّذي يُنزّله اللّه من السّماء، فيتدفّق في الأرض، فيملأ الأودية الّتي تشكّل سيولاً جارفة، تحمل معها كلّ ما تصادفه في طريقها من القشّ والورق والفضلات وغير ذلك ممّا لا قيمة له في الحقيقة. ثمّ إنّ هذه السيول الجارفة تشكّل على سطحها رغوة بيضاء على شكل فقاعات، سرعان ما يتلاشى شكلها، وينطفئ لونها.والمثل الثاني هو قوله تعالى {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} ضربه سبحانه للنّار الحامية الّتي تعرض عليها المعادن بأنواعها، ومنها الذّهب والفضة، بقصد إزالة شوائبها وما خبث فيها، وفي أثناء عرضها على تلك النّار تطفو على سطحها طبقة سائلة أشبه بالرغوة البيضاء الّتي تطفو على سطح الماء، لكنّها سرعان ما تتلاشى في الهواء وتضمحل هنا وهناك، ويبقى جوهر المعدن الأصيل الّذي ينتفع به النّاس، فيصنعون منه أدواتهم، ويستعينون به على قضاء حوائجهم.كذلك الحقّ والباطل في هذه الحياة؛ فالباطل قد يظهر، ويعلو، ويبدو أنّه صاحب الجولة والكلمة، لكنّه أشبه ما يكون بتلك الرّغوة البيضاء الّتي تطفو على سطح ماء السّيْل، والمعدن المذاب، سرعان ما تذهب وتغيب، من غير أن يلتفت إليها أحد. في حين أنّ الحقّ، وإن بدَا لبعضهم أنّه قد انزوى أو غاب أو ضاع أو مات، لكنّه هو الّذي يبقى في النّهاية، كما يبقى الماء الّذي تحيى به الأرض بعد موتها، والمعدن الصّافي الّذي يستفيد منه النّاس في معاشهم حلية أو متاعًا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات