بعد أن عرَّفنا اللّه تعالى في سورة العَلق بأنّه الخالق الّذي خلق، وأنَّه خلق الإنسان من علق، وبعد أن بيَّن لنا ما يعود به الإقبال على اللّه تعالى من السّيْر القويم والسّعادة في الحياة، أراد تعالى عطفًا منه علينا ورحمةً بنا أن يُلفت نظر الإنسان إلى عظمة المخلوقات، فلعلَّه إذا فكَّر بها واستعظم خلْقَها انتقل منها إلى تعظيم خالقها وموجدها فكان له من تعظيمه سبب لإقباله وسعادته، ولذلك قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}.وبعد أن ذكر تعالى التِّين والزّيتون وما انطوى فيهما من حكمة عالية وقدرة عظيمة وفضل ونعمة، بيَّن تعالى لعباده مصدر تلك الحِكمة والقدرة والمنبع الّذي يفيض بهذا الفضل الواسع والنِّعمة السابغة، فقال تعالى: {وَطُورِ سِينِينَ} أي: إنّما ذلك هو صادر عن طور سينين. و{الطُّور} إنّما تعني تلك الصّفة الإلهية الكاملة والشّأن الإلهي الّذي يفيض برّه وتشملُ رحمته ويغمر إحسانه الكائنات كلّها والمخلوقات جميعها. و{سِينِينَ} مأخوذة من السَّناء، وهو الرِّفعة والعُلو، وطور سينين: أي: العالي الّذي لا يتناهى.ثمّ تدرَّج بنا اللّه عزّ وجلّ إلى درجة أوسع في التّأمُّل والتّفكير فوجَّه نظرنا إلى الكون كلّه. ولذلك قال تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}، والمراد بـ{الْبَلَد} هنا: الكون كلّه، فهو لهذا النّوع الإنساني بلد أمين فيه كلّ شيء، فليس ينقصه شيء.وبعد أن بيَّن لنا تعالى من الآيات ما يعرِّفنا بشأنه العالي وفضله العظيم، أراد اللّه أن يُعرِّفك أيّها الإنسان بنفسك، فذكر لك ذلك المركز العالي الّذي أقامك به بين سائر المخلوقات وأراك منزلتك في هذا الكون العظيم، وأنّك فيه أحسن تقويمًا من بين كلّ هذه المخلوقات، ولذلك قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} بما جعل فيه من القابلية للتّحلِّي بالفضيلة والكمال.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات