الكلاسيكو الإسباني ما الذي تحول به إلى هوس عند شباب العالم؟ وماذا يعني ذلك الشعار الذي يصر الكتالونيون على وضعه على معظم لافتاتهم لتشجيع البارصا ”أكثر من مجرد ناد” وما هي أسباب ذلك التعلق والشغف الذي يبدو على الشباب الجزائري بالكلاسيكو إلى الدرجة التي باتت تقسم الإخوة في البيت والأصدقاء في الشارع والزملاء والزميلات في مؤسسات العمل، عشية وصباح الكلاسيكو يتبادلان خلالهما كل أشكال العداء والتنافر ليعودوا فينسوا كل شيء بعد تلاشي الآثار السيكولوجية لنتيجة المباراة؟ابتداء بالأجواء التي باتت تميز مدننا في اليوم الذي يقام فيه الكلاسيكو، حيث تتغير ملامح الشارع وتخفت حركة المرور ويسود الهدوء قبيل المباراة، كما تتجهز المقاهي والمطاعم الشعبية من خلال الشاشات العملاقة، ويرتدي الشبان قمصان الفريقين تعبيرا عن الولاء والحب، ويسود المشهد حالة من التشاحن عند انطلاق المباراة، حيث يطلق الشباب لأنفسهم العنان في التعبير عن كل ما يتفاعل بداخلهم دون تحفظ أو تورع. أما مواقع التواصل الاجتماعي فإن أنصار الفريقين يتفننون عشية الكلاسيكو في المجادلة والمناظرة والتجاذب الحاد والتعبير العفوي المفعم بعبارات الثأر للهزيمة والتطلع إلى النصر.أما مسحة الجمال في الكلاسيكو، فإنها العنصر النسوي الذي بات يبدي اهتماما غير مسبوق بلقاءات البارصا والريال، ويقتني هو الآخر كل ما يمكن أن يرمز للفريقين ونجومهما وما يرتبط بهما، لتشهد الثانويات والجامعات ومواقع العمل مشاحنات لطيفة بين الجنسين من أنصار الفرقين في الصباح بعد انتهاء المباراة. إن الموضوع أعقد مما نتصور فهو يرتبط ابتداء بتاريخ الكلاسيكو المرتبط بخلفية سياسية وتاريخية وسيكولوجية، حيث إن إقليم كتالونيا يختلف في ثقافته بشكل كبير عن العاصمة الإسبانية مدريد، كما أن العقود الطويلة من الصراعات الدموية والثأر والكره بين العاصمة والإقليم كان لها أثرها في تحويل الكلاسيكو إلى رمز سياسي للمقاومة بعد أن أصبحت البارصا رمزا للإقليم. وخلال الحرب الأهلية التي شهدتها إسبانيا أظهر الكتالونيون من خلال برشلونة كل أشكال تمايزهم على الصعيد السياسي والثقافي والاجتماعي وحتى الروحي عن غيرهم ولاسيما العاصمة مدريد، ولأن الجنرال فرانكو كان محبا لأتلتيكو مدريد ومع القمع الذي عانى منه الإقليم في تلك الفترة ومنعه للغة الكتالونية، أصبح ملعب الكامب هو الملاذ للكتالونيين، حيث يرفعون شعاراتهم ويتكلمون بلغتهم الممنوعة، الأمر الذي يفسر تلك العبارة التي يرددها الكتالونيون عندما يقولون بأن البارصا ”ليست مجرد ناد” وهم يقصدون بذلك أنه رمز يتجلى من خلالهم كل ما يميز الكتالونيين عرقا وتاريخا وثقافة. ومع هذه الخلفية التي قد يجهلها بعض شبابنا المولع بفنيات الفريقين الكبيرين، فإن العوامل الأهم بالنسبة لمشجعي الفريقين في العالم والجزائر ترتبط بالنجوم العالميين الذين يزخر بهم الفريقان وعلى رأسهم كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي وغاريث بايل ونايمر وتشافي وانيستا وايكر كاسياس.. الخ، وذلك التنافس المجنون بينهم في تقديم الأداء الأفضل لتحقيق مزيد من الشهرة والإبداع والأفضلية.وقد أضافت فنون الإخراج والتصوير والتعليق الذي ذهب إلى أبعد مدى في الإثارة والتشويق والتأثير وبمختلف اللغات، حيث باتت المنافسة من أرضية الملعب وفنون الرقص على الأقدام إلى فنون اللغة والبيان التي أدخلت معلقي مختلف الفضائيات العربية حلبة المنافسة والنجومية على غرار نجوم الرياضة. كما لعبت ثورة الاتصالات وما وفرته من وسائل البث والنقل المباشر عبر الأقمار الصناعية دورا في جعل قلوب المناصرين عبر الكرة الأرضية تنبض على إيقاع واحد وتتابع حدثا واحدا وتشعر بذات الشعور.وفي ظل كل هذه المعطيات، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة يدور حول ما إذا كانت هذه اللوحة العالمية المبهرة وهذه المساحة الإنسانية المشتركة بين شباب من مختلف أنحاء العالم تمازجت مشاعرهم وتقاطعت اهتماماتهم والتقت ولاءاتهم باتجاه هذين الفريقين، هي نتاج صناعة إعلامية وتجارة عالمية، أم أنها العولمة وما حققته من انفتاح، أم أن تلك المساحة المشتركة تعبّر حقيقة عن شغف بالفنيات الرائعة والأداء المتقن والعبقري الابتكاري للاعبي الفريقين، أم أنه بعض الفراغ من الزخم الرياضي والفني الكبير والمتميز في الساحة الرياضية والفنية والثقافية عموما، أم أن هذه العوامل مجتمعة هي السبب في هذا التفاعل الكبير مع الكلاسيكو الكبير؟ وهل يمكن أن يحقق الكلاسيكو على مستوى العالم ما لم تحققه السياسة والثقافة على مستوى المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية والمساعي العالمية لتحقيق مزيد من التقارب والتثاقف والتعارف والإخاء الإنساني عبر العالم بهدف بسط مزيد من المحبة والسلام في العالم؟ يؤكد بعض الباحثين أن الكلاسيكو هو كلاسيكو سياسي وثقافي وسيكولوجي وأيديولوجي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات