تكرر مشهد تشريعيات 10 ماي في الانتخابات الرئاسية بإنزال شهدته مراكز التصويت في العديد من الولايات الموصوفة بـ “مدن الثكنات”، واختزلت صورة تصويت أفراد الأسلاك النظامية في مشاهد نقلها التلفزيون العمومي في الساعات الأولى لبدء عملية التصويت. بالنسبة لمن يحرص على متابعة أدق التفاصيل في مشاهد التصويت في الساعات الأولى من بدء العملية الانتخابية، لا تفوته صورة طوابير من الشباب بأعمار مماثلة ونمط “حلاقة” مشابه حد التطابق. هي صورة تتكرر مع الاستحقاقات الانتخابية، وتظهر أكثر في الاستحقاقات التي تسود بها مخاوف من عزوف مفضوح للناخبين عن صناديق الاقتراع، وينطبق الأمر على رئاسيات أول أمس، كما انطبق على تشريعيات 10 ماي 2012، حينما انتقدت المعارضة بمختلف أطيافها “إغراق مكاتب التصويت بأفراد الأسلاك المشتركة”.واتهم كل من رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري ورئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله ورئيسة حزب العمال لويزة حنون وآخرون، طريقة تصويت أفراد الجيش، في سياق تنديدهم بتزوير مفضوح للعملية الانتخابية قبل عامين لصالح حزب السلطة الأفالان، وتصويت أفراد الجيش أكثر الملفات تداولا عند رفع مطلب تنظيم انتخابات حرة وشفافة. وشهدت الولايات التي تنتشر بها مؤسسات الهيئات النظامية أكثر، وعلى رأسها الثكنات، نسب تصويت مرتفعة مقارنة بالولايات الأخرى، وأغلبها الولايات الصحراوية، على غرار ولاية بشار التي بلغت فيها نسبة المشاركة 60,85% وتندوف التي سجلت 78,26%، وهناك ولايات تنتشر فيها هيئات الأسلاك المشتركة، لكنها سجلت نسبة مشاركة ضعيفة مقارنة بالولايات الأخرى، على غرار ولاية البليدة التي لم تتعد نسبة التصويت بها 43,80%، وباتنة 42%، وقسنطينة أيضا بنسبة مماثلة، وينطبق الأمر كذلك على وهران وتيبازة والعاصمة.وشكلت هذه الولايات محط أنظار المراقبين في كل موعد انتخابي، على مخاوف الاستعانة بأفراد الجيش ومختلف الأسلاك النظامية، وشهدت مختلف الاستحقاقات طعون مترشحين وأحزاب إزاء إغراق مراكز التصويت بأفراد الجيش، مع العلم أن عدد أفراد الأسلاك المشتركة ضمن الهيئة الناخبة يبقى طي الكتمان، وإن كانت كل الدول لا تفصح عن عدد أفراد جيشها باعتبار الأمر سرا من أسرار الدفاع الوطني.وطرح تصويت أفراد الجيش جدلا قبيل الانتخابات الرئاسية، لكنه لم يكن محل تجاذب صريح في الحملة الانتخابية، حتى وإن دعا المترشح الحر علي بن فليس المؤسسة العسكرية إلى التزام الحياد، بينما كان وزير الداخلية السابق دحو ولد قابلية قد أكد أن تصويت أفراد الجيش يكون في بلدياتهم الأصلية وبالوكالة، واستنفر هذا الملف مرشحة حزب العمال لويزة حنون التي نددت بما أسمته إغراق مكاتب الاقتراع بأفراد الجيش في عدد من مراكز التصويت خلال التشريعيات الماضية، وهو ما أحدث “الديكليك” لصالح الأفالان الذي تحصل على أكثر من 220 مقعد، في ظل عزوف انتخابي واضح من قبل المواطنين.ولم تكن ثمة توقعات بإعادة النظر في طريقة تصويت أفراد الجيش قبيل انتخابات الخميس الماضي، حيث سبق لمدير الحريات العامة والشؤون القانونية بوزارة الداخلية محمد طالبي أن أكد قبل أسابيع قليلة أنه ليس لدى الحكومة أي نية لمراجعة طريقة انتخاب هؤلاء، كما قال إن “أفراد الجيش وأسلاك الأمن مواطنون مثلهم مثل بقية الجزائريين ولهم الحق بموجب الدستور في التصويت كل حسب وضعيته”.وتصويت أفراد الأسلاك النظامية والكشف عن محتوى الهيئة الناخبة، هما الملفان الوحيدان المضروب عليهما صمت مطبق، ولم تستطع المعارضة طرق بابيهما للكشف عنهما منذ عقود وإلى اليوم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات