لا تُستشفُّ حقيقة بعض المواقف والقرارات، ومدى خطورتها من الأمور الكبيرة فقط، التي تتطلب الحكمة في التعامل والتعقل والتبصر، وإحداث كل التوازنات، ووضع كل الاعتبارات والحساسيات في الحسبان، لكن تظهر أيضا الحقائق العظيمة، من التعمق في الأمور الصغيرة، وأحيانا بعض المواقف السريعة والعابرة، التي قد تمر دون أن نوليها اهتماما، لكنها تخفي وراءها جوهر المشاكل وحقيقتها. يحضر هذا الإحساس بقوة عندما يتجول المرء في شوارع الجزائر العاصمة، ويلحظ تلك الحركة الدؤوبة لأفراد التنظيف وإصلاح الأرصفة، وطلاء كل شيء، وتغيير حتى القمامات، أياما قبل الانتخابات.. إن هذا التصرف بقدر ما هو مهم ويثمّنه أي فرد غيور على وطنه، حتى وإن كان بسبب الحملة الانتخابية والانتخابات القادمة، تحضيرا لتقديم صورة جميلة للوفود الإعلامية، وما ستنقله كاميرات القنوات الأجنبية، ولحفظ ماء وجه النظام الذي يحاول أن يكون ”نظيفا جدا” هذه الأيام، ليس فقط في مدنه، بل حتى في خطاباته الرّنانة، وحتى لا تتناقض خطب المروجين لإنجازات فخامته بعد 15 سنة، مع واقع واضح للعيان.. فإن هذه الصورة الكاريكاتورية للجزائر قبل 17 أفريل، تحيلنا على حقيقة أن هذا النظام لا يهمّه الشعب في شيء، لقد مشى فوق الأرصفة سنوات وهي مكسّرة ومتسخة، وبقيت العاصمة لسنوات بأوساخها وتكاثرت حولها القمامات. إن كل ما يصبو إليه نظام فخامته، هو إعطاء وجه آخر للخارج، وجه يرفضه الجزائريون لأنهم يعرفونه جيدا وعايشوه على مدار 15 سنة. هذا النظام لا يهمه الشعب في أبسط متطلباته، والأكيد أنه لا يهمّه في تطلعاته الكبيرة، خاصة إذا كانت تتعارض مع مصالحه، سيضحي به في أول فرصة، إن تطلب ذلك بقاءه في السلطة، وأن كل المؤشرات والخطابات التي حملتها الحملة الانتخابية لمروجي العهدة الرابعة، تؤكد على هذا التوجه الخطير، إن ارتفاع نبرة الجهوية والتهديد بكل شيء، تنبئ بما هو أخطر، وإلا كيف نفسر تصريح والي العاصمة لسكان البيوت القصديرية، انتخبوا تسكنوا.. كل ما دار ويدور أثناء الحملة الانتخابية لا يبشر بخير، ويدل على أن هذا النظام لن يتوانى عن فعل أي شيء من أجل بقائه، وإن كان هذا رده في الحملة الانتخابية، فإن القادم سيكون أفظع وأخطر، وعلى الشعب الذي عبّد له النظام اليوم الطرق والأرصفة، أن يستعد بعد الانتخابات، لأن النظام سيُعبّدُ به كل الطرق والأرصفة للبقاء مستقبلا.. وسيقول له بعدها في حالة أي رفض: ”اقبلوا أو ارحلوا أو موتوا”.. [email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات