وأنت تمر في أزقة وشوارع الجزائر وتتأمل ألوانها، تدرك أن الشعب الجزائري يعاني من جراح نفسية عميقة، كانت نتيجة سنوات من الاضطراب والقهر والتخوين والتخويف.. فالجزائري الذي عاش 132 سنة تحت الاستعمار، وذاق كل ويلات الحڤرة والقمع، لم يشفع له ما قدّمه من تضحيات من أجل الاستقلال إذ مازال يحس بالبؤس والغبن والحزن، وترى ذلك في وجوه الناس وفي لباسهم وطريقة كلامهم السريعة والمضطربة.. في عدد المجانين الذي ارتفع في السنوات الأخيرة.. في عدد حالات الانتحار المخيف.. وفي بؤس الأطفال المتسولين على الطرقات. ليس هذا فحسب، فإن مسحنا المنظر العام للجزائر نجد من الصعوبة أن نعثر على ألوان زاهية تحيط بالجزائريين أو تزين حياتهم، بل في لباسه تعود الجزائري على ألوان كالرمادي والأسود أو الأبيض، وحتى في طلاء المنازل واختيار ألوان السيارات، فالجزائري لا يشتري إلا الأسود أو الرمادي والأزرق الداكن.. ونادرا أو قليلا جدا أن نرى ألوانا كالزهري أو الأحمر أو الأزرق الجميل أو البنفسجي أو الأصفر أو الأخضر، رغم أن الطبيعة في الجزائر لم تبخل على الجزائريين من جمالها برا وبحرا، جبالا وصحارى وغابات. تغني هذه المظاهر عن كل التقارير التي تتحدث عن السعادة ورفاهية العيش وتقديس الجمال والتي لم تدرج اسم الجزائر مؤخرا.. بل أكثر من هذا نجد الجزائري وقد سيّج حياته بالحديد فالنوافذ بـ”الباروداج”، تقول إحدى الدراسات إنها ناتجة عن الإحساس بعدم الأمان والخوف، كما سُيّجت مدنه بالحواجز الأمنية والمتاريس في كل مكان .. الجزائري يا سادة يا من تطالبونه بانتخاب الرئيس ”البوڤوص”، حياته خالية من الجمال، يعيش كل أنواع البؤس والضغط.. الجزائري لا يبحث عن الرئيس الجميل، بل يبحث عمن يجعل حياته أسهل وأسعد ومحيطه العام وبيئته أجمل.. الجزائري يبحث عمن يزرع في نفسه الأمن والأمان في الحاضر والغد والمستقبل.. الجزائري لا تهمه العيون الزرقاء، لكنه يريد أن تكون عيونه متفائلة ترى كل جمالية الألوان.. الجزائري يريد محيطا خاليا من الحفر والأوساخ.. محيطا خاليا من الأمراض النفسية، من السرقة ومن النهب ومن المحسوبية ومن الانتهازية.. ويريد أن يرى العالم بعيون أجمل وأن تكون مدنه أجمل وصورة وأخبار بلاده أجمل وخطابات مسؤوليه أرق وأكثر احتراما له.. الجزائري أيها النظام الجزائري، ليس سعيدا ولا يحس بالأمان في وطنه.. والجزائري أصبح بسبب سياسات النهب والاختلاس والاغتناء غير المشروع، يرى أنه لا يربطه بهذا الوطن إلا بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر.. الجزائري ليس سعيدا لأنكم تتعاملون مع مطالبه وطموحاته كمن يتصدق على مشرد أو متسول في الطريق، إذ من المحزن أن نرى التلفزيون العمومي يقدم أناسا فيهم من الطيبة الكثير وهم يدعون لرئيس الجمهورية، لأنه وفر لهم السكن أو زوّدهم بغاز المدينة أو عبّد لهم الطرق، ونفس الخطاب يتوجه به المروّجون للعهدة الرابعة، ويطلبون من الشعب أن يحمدوا الله الذي جعل بوتفليقة رئيسا عليهم، لينعموا بالأمن والأمان والأموال (التي لم نر منها إلا الأرقام عبر الجرائد)، ويوفر لهم كل تلك المشاريع (التي لا يراها إلا المتحدثون باسمه).. يتحدثون وكأن الرئيس قد صرف من ماله الخاص صدقة على الشعب، وليس كونه مكلفا بخدمة الشعب أساسا. وذلك الذي يقول إن الرئيس بوتفليقة جعلكم سعداء.. الجزائري ليس سعيدا.. لقد جعلتم الجزائري تعيسا في استقلاله، مثلما كان تعيسا في استعماره.. لا فرق سوى أن الأول كان الأجنبي المحتل والآن ابن البلد الذي يستغل النفوذ والسلطة لاستعباد الناس واستغبائهم واستغلالهم باسم الوطن..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات