+ -

سأل أحد الضباط الألمان كان يطوف بمعرض للوحات الفنان العالمي بيكاسو “من أنجز هذا؟”، في إشارة إلى اللوحة الشهيرة “غيرنيكا” التي رسمها وهي تمثل مدينة غيرنيكا الإسبانية، معقل الثوار الاشتراكيين بعد قصفها من طرف طيران هيتلر، حليف الجنرال فرانكو، ضد الاشتراكيين. اكتفى بابلو بيكاسو بالرد متهكما: “أنتم سيدي الجنرال”. يمكن مخاطبة حكامنا بنفس الصيغة: “أنتم المسوؤلون عن العنف في بجاية أو غيرها”. بعد أن تحول العنف إلى أحد الثوابت الوطنية في الجزائر، عنف خرج من رحم سلطة مبنية على العنف، لدرجة أن المواطنين يتعاملون معه كأنه قدر محتوم، أما السلطة فتسعى لتوظيفه لصالحها وتوجيهه ضد المحكومين أو فيما بينهم. فالسلطة جعلت من العنف الوسيلة الوحيدة للاستجابة للمشاكل المطروحة، دسترة الأمازيغية، رفع الأجور، حل مشاكل الحرس البلدي وعناصر التعبئة و.. و.. و...

واليوم يتظاهر منشطو حملة المرشح الرئيس بأن أعمال العنف ضد سلال في بجاية جديدة وسابقة وغير متوقعة، في محاولة لإيهام الرأي العام بأن المجتمع الجزائري يعيش في كنف استقرار وسلام تام بعيدا عن العنف، لتمرير رسالة مفادها أن السلطة السياسية غير فاقدة للشرعية وتحظى بالوفاق الوطني. ما لم تستسغه السلطة هو استهدافها من طرف هذا العنف، خشية توسع هذا السلوك العدواني ضدها والمضمون السياسي لهذه الرسالة. وتبنت السلطة منهج “تخطي راسي” أو بالأحرى “تبكي أم الشعب وما تبكيش أمنا” وطالما كان العنف من الشعب وإلى الشعب والموتى في صفوف المواطنين بين الشعانبة والميزاب في غرداية، بين عروش مناطق الهضاب العليا حول المراعي، بين أنصار مولودية وشبيبة بجاية أو اتحاد ومولودية العاصمة، بين ذوي منيع وذوي جرير في بشار،... أو حالات الإجرام التي تشهدها المدن الجزائرية يوميا، آلاف ضحايا العنف البيروقراطي اليومي الذي يمارسه أعوان السلطة في مختلف الإدارات. ناهيك عن أكبر عنف ممارس ضد الشعب بمصادرة صوته وسيادته أو ما أسماه بوتفليقة بنفسه في أحد خطاباته: “بركات من انتخابات نايجلن”، في إشارة إلى الحاكم العام الفرنسي الذي زوّر انتخابات لصالح المعمرين ضد حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية. فماذا يبقى للمحكومين من خيار عندما تفقد الانتخابات دورها كآلية يلجأ إليها المتنازعون لحل الصراعات بينهم والاحتكام إليها لتفادي الوقوع في الصراعات التي تلازم الحياة اليومية ؟ من البديهي التسليم بأن العنف ليس وسيلة لحل المشاكل، ومن السهل إلقاء اللوم على من كانوا وراء أعمال العنف في بجاية وحرق دار الثقافة، لكن هل هذا يعفي السلطة الحاكمة من مسؤوليتها في كل العنف الممارس ضد الشعب الجزائري منذ أكثر من نصف قرن وسرقة استقلاله وحرق بلد بأكمله؟ 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات