في أواخر نوفمبر من السنة الماضية وأنا أنتظر حلول شهر أفريل 2015 كي أشرع في عمل مسرحي بالمسرح الوطني الجزائري. عمل صرفت فيه أكثر من ستة أشهر من البحث والتحضير النظري كي يكون متكاملا في عرضه.. اتصل بي رئيس تعاونية “ضياء الخشبة” للفنون الدرامية بتيارت، وأبدى اهتماما بالتعامل معي ليخوض أول تجربة مسرحية للكبار، بعدما أثبتت تعاونيته جدارتها في مسرح الطفل من خلال بروزها في مختلف التظاهرات الوطنية؛ لقد طلب مني أن أقترح عليهم نصا وأن أقوم أنا بإخراجه، فطلبت منه أن يمهلني فترة للتفكير في اقتراحه، وهذا ما حدث.كان من الصعب أن أتخذ قرارا بالعودة للمسرح بعد غياب دام أكثر من سبع سنوات من خلال فرقة هاوية، بالخصوص أنني لا أعرف نوعية الممثلين المتواجدين بمدينة تيارت وحجم الإمكانيات المتوفٌرة لدى التعاونية. من جهة أخرى لم أستطع مقاومة خوض التجربة، متذكرا كل التجارب الناجحة التي خضتها مع الهواة من قبل مع مختلف الفرق والجمعيات المنتشرة عبر الوطن.لقد تغلب حبي للمسرح الهاوي على الأكاديمي المتحفظ، لقد قلت في نفسي: كيف لي أن أرفض يدا مدّت لي تطلب العون والاستفادة؟ كيف لي أنا المدافع عن ممارسة واعية لفن المسرح أن أفوّت الفرصة على عشاق الركح كي يستفيدوا من أدوات أملكها وعشت أطالب الهواة والمحترفين للتمكن منها والعمل بها؟وهكذا قبلت الطلب، واقترحت نصا كان في أدراج مكتبي منذ سنين، إنه نص فن الكوميديا لإدواردو دي فيليبو، والذي كنت قد اقتبسته أواخر سنة 2000 وأنا طالب بمعهد برج الكيفان، لقد رأيت أنه مازال معاصرا، كونه يعالج مشكلة الاعتراف بالفنان ويطالب بقانونه الأساسي. وانطلقت المغامرة بانتقالي إلى عاصمة الزيانيين، ويا لها من مغامرة جميلة ومفيدة، حيث لم يبخل عليّ القائمون على تعاونية ضياء الخشبة بفعل ما في وسعهم كي يوفروا الظروف المواتية لنجاح المشروع، رغم معاناتهم من قلة الإمكانيات، حيث لم يستفيدوا من أي غلاف مالي أو دعم لوجيستيكي من أية جهة كانت. لقد رفعوا التحدي بإمكانياتهم الخاصة. سلاحهم في ذلك، إيمانهم بشخصنا المتواضع وبقدرتهم على ربح الرهان.وانطلقت التدريبات، بمعدل 12 ساعة يوميا، بفريق تيارتي مائة بالمائة. تدريبات كانت مضنية لأعضاء الفرقة الذين لم يتعودوا على هذا من قبل. فإضافة إلى عدم تعاملهم من قبل مع الواقعية الانفعالية، مدرسة اعتمدت عليها لإخراج النص، كان لزاما عليّ أن أختصر المسافة معهم، وأقوم بمهمتين في مهمة دون أن يشعروا، تكوينهم على الأداء الانفعالي وتطبيق ذلك على العمل ميدانيا. ولم يكن الأمر سهلا أبدا، فمن الصعب على ممثل تعود على الأداء الشكلي الاستعراضي أن يتمكن في ظرف وجيز على أدوات الأداء الانفعالي كالعمل على تجسيد الأهداف، الاتصال الوجداني بين الشخصيات، الحوار الداخلي، الاقتصاد في الحركة، التامبوريتم..إنني واع بمستوى العمل المقدم والمقترح من قِبلنا لتعاونية ضياء الخشبة، وأنا مقدٌر وممتن لكل من ساهم من بعيد ومن قريب في سبيل إنجاح المبادرة والعمل على زرع هته البذرة الطيّبة، والتي أتمنى أن تثمر مستقبلا مسرحا واعيا نقيا وخالصا. مسرح يعتمد ممارسوه على الوعي بما يقومون به وعلى تمكنهم بأصول المسرح الحقيقي.إنني راض كل الرضا عن مردود فريق فن الكوميديا، فالنجاح نجاحهم، والعلامة كاملة لهم، لذا فأنا أتمنى لهم الاستمرار والمثابرة والظفر بالجوائز والمزيد من الإنجازات. أما إن كان هناك نقص فهذه مسؤوليتي وهي تقصير مني، فمن كان ينتظر مني أكثر من هذا فإنني أقول له إن مطلبه مشروع، وإنه لشرف لي أن يضعني هؤلاء في صورة المُطالَب بالأحسن.. إنني من منبر “الخبر” المشكورة أعدهم بأن أكون عند حسن ظنهم وفي مستوى نواياهم الإيجابية، فالأحسن قادم إن شاء اللّه ولن يخيب ظنهم في أعمالي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات