”يَعجَبُ الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل” الرسول (صلعم).”القوة صنعت أولا العبيد لكن جبنهم أبقاهم على حالهم. يفقد العبيد كل شيء في أغلالهم حتى الرغبة في التخلص منها” (ج.ج. روسو) أليس صحيحا أن كل المقاييس العالمية تصنفنا في المراتب الأخيرة في عمل الخير، وفي المراتب الأولى في فعل الشر (الرشوة، الفشل الاقتصادي والسياحي، حوادث المرور. على سبيل المثال لا الحصر)؟ لكن هذه الحصيلة المهينة لم تمنع فارس الأخلاق الحميدة بن يونس من شتم الذين ”لا يحبوننا” من جميع أصقاع العالم، بينما هؤلاء لا يبالون إن كنا موجودين على سطح الأرض أو لا، ولا يكترثون إلا بمشاكلهم وبالمضي في مسيرتهم نحو التقدم. لو طرحنا السؤال لأجابنا الكون كله على نفس واحد: نحن في كل شيء، نحب ونحترم أصحاب المراتب الأولى لا الأخيرة.نحن الشعب الوحيد الذي يعتقد أن الشعوب الأخرى في العالم لم تُخلق إلا لتتآمر علينا أو تترقب الفرصة السانحة للانقضاض علينا والإجهاز على خيراتنا. بينما الحقيقة أَن هذه الشعوب التي لم نضف إليها شيئا يذكر تعيش دوناً عنا منذ آلاف السنين، ودوناً عن محروقاتنا والإرهاب والحراقة التي نصدرها إلى بلدانها كما يُصَدر إلينا المغرب الأطنان من مخدراته، وتماما كما لن يتغير العالم مثقال ذرة لو هلكنا كلنا بمحرقة جماعية أو بكارثة طبيعية كالتي ذهبت بعاد وثمود. لا يعدو هذا إلا أن يكون ضَربا من ”التوسويس الوطني” وجنون الشك والاضطهاد؛ أو كما يصطلح عليه في الطب ”الهذيان الارتعاشي”.لقد تجول نظري كثيرا بين المساحات المأهولة من كوكب الأرض، وتوقف عند زيمبابوي الزعيم موغابي، وكوبا الأخوين كاسترو، وعند السلالة الشيوعية الحاكمة لكوريا الشمالية؛ لكني لم أجد بَعدُ شيئا قد يساعدنا على فهم حالتنا التي تقع خارج مجال العقل. يجب العودة بعيدا في التاريخ العالمي والديني والتوقف عند قصص القرآن الكريم لإيجاد أمثلة يمكن مقارنتها بالحالة التي نعيشها. الفرق الوحيد أننا لا نَزَالُ على قيد الحياة بينما هلكت تلك المجتمعات لما ابتلعها الطوفان أو البحر، مثلما وقع لقوم نوح والأتلانتيس، أو دمرها الزلزال مثل مدين وثمود.في أحد أحياء ”المجاهدين” الجديدة بالعاصمة، انتقل زوجان إلى سكن اجتماعي جديد من تلك المساكن التي وزعها سلال، مقايضا المفتاح بغمزة للتعبير عن امتنان المُلّاك الجُدد في شهر أفريل للشخص الذي يعرفونه. في هذا الزوج كان الرجل أبكم والمرأة صماء.في إحدى مشاركاته في نشرة قناة الجزائرية، سُئل خبيرنا الجيوفيزيائي الوطني لوط بوناطيرو عن الزلزال السياسي الذي يمكن أن تُخَلفه انتخابات 17 أفريل. فَردَّ، متنازلا عن كل ارتباط بالعلم الذي كان يمدحه ثواني قبل ذلك، على الصحفيين المندهشين أن الزلازل تُرسل من عند الله لمعاقبة البشر على فسادهم، مفضلا على التفسير الجيولوجي لمجال عمله، ذلك الذي جاء به سلفه البعيد النبي لوط، والذي لم يهلك قومه بالزلزال بل بالنيازك الفضائية، كما يسرد علينا القرآن الكريم ”فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَة مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ” (هود-الآية82).هذا في ما يتعلق بالماضي البعيد. أما لنَستَهدف الحاضر فقد استعملت في مقال سابق حكاية الأبكم الذي يأمر زوجته الصماء بغلق النافذة لأن أعمىً كان ينظر إليهما. بهذه الصورة المشحونة بالتناقضات والمفاهيم الخاطئة، أردت أن أُلخص الأحداث الخيالية التي نعيشها في هذه الفترة الجديدة من الفوضى السياسية والعقلية، من تاريخنا المعذب. لم أتعمق حينها في الصورة أكثر كي لا أحيد عن موضوع المقال وهو تصريح الرئيس زروال، والذي لم يكن يسمح بأي استطراد. كنت أظن أيضا أن ”الفاهم” سوف ”يفهم” لوحده، لكني سُئلت بعدها عن هذا التقصير، وبالتالي سأوضح ما أَردتُ بهذه الاستعارة.في أحد أحياء ”المجاهدين” الجديدة بالعاصمة، انتقل زوجان إلى سكن اجتماعي جديد من تلك المساكن التي وزعها سلال، مقايضا المفتاح بغمزة للتعبير عن امتنان المُلّاك الجُدد في شهر أفريل للشخص الذي يعرفونه. في هذا الزوج كان الرجل أبكم والمرأة صماء. وفي صباح يوم ما وبينما الاثنان يتناولان فطورهما يلاحظ الزوج شيئا مريبا عبر النافذة المفتوحة على مصراعيها، حيث يلمح في شرفة البناية المقابلة رجلا يثبت نظره باتجاههما. في الواقع كان هذا الشخص أعمى خرج يستنشق هواء الصباح المنعش بكل براءة. لكن الأبكم الذي لا يدرك ذلك بدأ الدم يغلي في عروقه أمام انعدام الحياء و ”الحشمة” عند هذا الجار الوقح الذي ضَرب عرض الحائط بتعاليم ديننا الحنيف في غض البصر والوصاية بالجار؛ وراح يشير بغضب إلى زوجته بغلق النافذة حالاً. لكن الزوجة المنهمكة في أعمالها المنزلية لم تلاحظ ضجته واستمرت في عملها مديرة ظهرها له ومُضاعفةً بذلك غضبه. فتوجه إلى النافذة مُومئاً بإشارات مهددة نحو الجار المسكين، دون أن يحيد الأعمى بنظره رغم ذلك. عندئذ أغلق الأبكم النافذة بعنف ودفع زوجته المندهشة وانطلق صوب منزل الأعمى ”ليوضح” له بعض الأشياء.عند وصول الساخط إلى منزل الأعمى فتح ابن هذا الأخير الباب له مندهشا من حركاته الاحتجاجية التي لم يفهم منها شيئا. فَشَرَعَ الأبكم بالدخول إلى المنزل من أجل التوجه للشُّرفة التي تتواجد بها مشكلته، منتهكا بذلك حرمة المنزل، ما دفع الابن للرد سريعا بـ ”دماغ” طرحه أرضا على الفور ووجهه ينزف دما. أخرجت الضوضاء الجيران من بيوتهم ورأوا الجسد الممدد على الأرض نازفا، فاتصلوا بالشرطة التي وصلت بسرعة لما أبلغت أن ”جريمة قتل” وقعت. استعاد الأبكم تدريجيا وعيه وقامت الشرطة بنقل أطراف المعركة إلى القسم. هناك لم يفهم أحد شيئا مما يجري، فالأبكم لم يستطع التعبير عن روايته بسبب إعاقته، وابن الأعمى أصر أنه كان يدافع عن حرمة منزله التي حاول الضحية انتهاكها.سنترك هنا هذه الأحداث التي لن تهمنا أكثر من هذا الحد لأن كُلنا رأى أسوأ منها في مجال اللَّامعقول، وسنحاول التأمل في الكيفية التي يمكن أن يتشكل عَبرها مسارُ جنون جماعي على نطاق أوسع. وفيما يتعلّق بالعهدة الرابعة بالضبط، نحن أمام سوء تفاهم من نفس النوع نتج عن سلسلة من ”المراوغات” والخدع، وأدى إلى وضع مرتبك وغير معقول. كيف نشأت هذه الفوضى ومن الذي تسبب في إثارتها؟ هو أبكم آخر مثل الذي أطلق الأحداث في الحكاية السابقة.الكل يعلم أن الرئيس أصبح شبه أخرس بفعل الجلطة الدماغية التي أصابته، ولا يستطيع أيضا استعمال لغة الإشارة لأن ذراعه الأيسر معاق. لكنه قام مؤخرا بتوجيه رسالة (دون أن يكتبها بنفسه) للشعب الجزائري يقول له فيها: ”لقد تلقيت ببالغ التأثر وبعميق الشعور بثقل وخطورة المسؤولية تلك النداءات الموجهة إلي من قبل المواطنات والمواطنين والمجتمع المدني والتشكيلات السياسية والهيئات النقابية والمنظمات الجماهيرية التي دعتني إلى الترشح للانتخاب الرئاسي المقبل. وإنه لمن واجبي، من منطلق احترامي الدائم للشعب الجزائري الذي شرفني وحباني بخدمته طيلة ثلاث عهدات، أن ألبي النداء، وهذا من حيث إنني لم أتملص قط طوال حياتي من أي واجب من واجبات خدمة وطني. ويعز علي ألا أستجيب لندائكم. من ثمة، قررت، حتى لا أخيب رجاءكم، الترشح للانتخاب الرئاسي المقرر في 17 أفريل 2014 وتسخير كل طاقتي لتحقيق ما تأملونه ”. هكذا إذا لا يحتمل المترشح بوتفليقة أن يُقر أنه هو الذي يريد البقاء في السلطة، يجب أن يكون الشعب هو الذي يناشده ويترجاه أن لا يرحل..يُتبعترجمة: ب. وليديمكن للقراء الذين فاتهم أحد المقالاتأن يجدوه على صفحة الفايسبوك (noureddine.boukrouh@facebook)
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات