عشرون سنة مرت على اغتيال عبد القادر علولة، اغتيال حلم، كان يرتع بيننا، يصنع فرحا مغايرا ويبث فينا ربيعا مختلفا، لم نكن حينها على وعي تام بفداحة الفقد، لكن صوت الرصاصة في الرأس ما يزال يرن في آذان من أحبوه وعرفوه، وفي وجدان الذين كانوا يدركون قيمة هذه القامة الثقافة، ربما الروائية الكبيرة آسيا جبار كانت تدرك ذلك، حينما رسمت لوحة حزينة في (بياض الجزائر)، بياض هو لون الحداد الذي ظل يتجول معنا، ليذكرنا بحجم الخسارة، لكن السنوات التي تلت، علمتنا أن نعد المثقفين الراحلين الذين لم يخلفهم أحد، وكيف لنا أن نخلف قامات بحجمه، والرصاصات الغادرة لم تترك لنا مجالا للاستفهام.. ودائما ما يصنع الجواب شقاء السؤال– كما يقول موريس بلانشو-، فكيف بنا وقد فقدنا القدرة على إنتاج السؤال، فقط هو الذهول، لا الدهشة، والانكسار لا التشظي، إنه الجرس الذي رن ذاك اليوم، منذ عشرين سنة، معلنا عن صفحة طويت في الثقافة الجزائرية، صفحة لم تكن الأخيرة، لأنها لم تكن الخلاص، لكنها وضعتنا وجها وجه مع حقيقة مآسينا الإبداعية، يومها أدركنا أن الرصاصة سكنت مكانا غير عادي.. إنه دماغ رجل استثنائي.. ربما مريم (سيدة المقام)** تعرف أحسن منا ما معنى أن تكون الرصاصة في الرأس.. وما الذي يمكن أن تؤجله حين تجيء لتكسر المعنى وتقتل أمل الانبعاث.. هي تدرك ذلك لأنها تحس بسحر (شهرزاد) لكورساكوف.. وبألم الرصاصات الذي قد يعيقها على التجاوب مع روعة الموسيقى..
اليوم.. قررت أن أزعج نومه الهادئ الحزين مرة أخرى.. مثلما فعلت ذلك في مرات سابقة.. رغم علمي أنني لن أضيف جديدا، سوى أن أذكر من أحبوه بأنه كان ذات يوم هنا.. هو الذي لم يكن عاديا في كل شيء.. وكان له حضوره الفاعل والمميز.. وكان له أيضا غيابه المفاجئ.. الصاخب والكبير.. غياب سيظل يزعج غيبوبتنا..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات